حوار بطعم القصب والبردي من الهور
إلى تونس الخضراء مع الشاعرة والأكاديميّة منى بعزاوي
علي الغزي
بطعم الوجع العراقي وطعم
القصب والبردي والخريط ومن جنوب العراق إلى تونس الخضراء في شمال قارّة إفريقيا
لنمدّ جسور التواصل مع إخوتنا العرب ونتبادل الآراء والأفكار والتعرّف على
الثقافات العربية من خلال التحاور واللقاءات وضيفتي امرأة شاعرة وأكاديمية من
القيروان
.
والمرأة الشاعرة لا تبدع الشعر من فراغ، وإنّما
يفيض شعرها استجابة لمواقف تأثّرت لها شاعريتها، لذا تميّز شعرها بالصدق والشجاعة
والإقدام والشعر النسوي يعبّر عن رؤية المرأة لذاتها فيما إذا وفّر لها المجتمع الحاضنه
وصقل ثقافتها وموهبتها وإعطائها نوعا خاصّا من الاحترام فنرى أنّ المرأة تبدع وتقدّم
ما عندها من عطاء. إنّ المرأة بطبيعتها شاعره وكثير هن الشاعرات من
أبدعن في الشعر وصياغة نصوص شعرية تتراءى فيها صدق المشاعر والأحاسيس .
شاعرتنا " منى
بعزاوي " من جيل الشباب الواعي والطموح لمستقبل أفضل رسمت طريقها
ومشوارها الأدبي بثقة عاليه بالنفس وطموح يفوق عمرها لتصل لمستوى النخبة .
أهلا وسهلا شاعرتنا القديرة " منى بعزاوي " تحيات عراقية خالصة لك
ولتونس الخضراء
.
الشاعرة منى بعزاوي معروفة في
المجتمع التونسي . بماذا تقدّمين نفسك للمتلقّي في الوطن العربي ؟
مرحبا بكلّ مواطني الوطن العربي وأنا أصيلة
القيروان من تونس ، متحصّلة على الماجستير في الحضارة العربية من كلية الاداب و
العلوم الانسانية بسوسة أبلغ من العمر 27 سنة . معروفة في المجتمع التونسي
بكتاباتي عن المرأة و عن القضايا الاجتماعية
و
عن ممارستي للنقد السياسي باعتبار أني ناشطة سياسية . أعتبر نفسي شاعرة في بداية الطريق لي بعض المقالات
منشورة عن" زهرة الخليج " و هي عبارة عن قراءة اجتماعية نفسانية تخص قضايا
الزواج و الازدواجية . شاركت في
ملتقيات ثقافية " كالصالون الثقافي ومركز التربصات و الاصطياف بسوسة " و
سأكون متواجدة في بعض المهرجانات الثقافية هذه السنة و في القريب يصدر لي أول كتاب
شعري بعنوان " أوتار قلم الموناليزا
" .
الشعر إلهام و
موهبة متى اكتشفت نفسك شاعرة ؟ كيف كانت البداية ؟
الشعر موهبة من عند الله تعالى و
اكتشفت هذه الموهبة و أنا مازلت في الثانوية كنت أكتب على الورق وفيما بعد أمزّقه
ثمّ بدأت تراودني أحلام و صور في منامي و أحيانا تراودني فكرة و أنا في الطريق أو
بين الأوراق و كنت كلّما تراودني فكرة أستيقظ و أدوّن تلك الفكرة و فيما بعد أكتبها و أوّل
قصيدة كتبتها كانت تعبّر عن الحرية لأنّني قضيت كلّ سنوات تعليمي وراء جدران
المبيت سواء في الإعدادي أو الثانوي أو الجامعي فكنت أبحث عن منفذ لحريتي و أن
أتنفّس هواء الحرية من وراء شباك المبيت و كانت هذه القصيدة بعنوان "
عروسة السكر "
و منها هذه الأبيات :
يا طفلتي يا أصل
كياني
يا وردة بين أوراقي
أنت سرّ عبيري
و أنت قماش فستاني
أنت أصل إنسانيتي
كم أعشقك يا حريتي
في المجتمع العربي
ظروف سياسية قاهرة و اضطهاد و حرمان و دكتاتوريات . فهل انعكس ذلك في قصائدك؟
أكيد كلّ البلدان العربية تعيش
فترات انتقالية صعبة و باعتباري تونسية الأصل كنت أوّل من واكب هذه الثورات من
بدايتها إلى الآن و قد كتبت عن زمن الطغيان و زمن الاضطهاد و زمن الشهداء و اغتصاب
الحقوق و الحريات و أوّل قصيدة لي خلال الثورة التونسية كانت عن الشهيد "
البوعزيزي " في حواره مع الشرطية و قد أطلقت عليها اسم " رمز و
نظام " و من أبياتها :
أنا سوف أرحل و في
قلبي شعلة من حال النظام
انا سوف أرحل و في
قلبي فرحة لسقوط النظام
أنا سوف أرحل بسلام
و أنت ستعرفين معنى النظام
أنا سوف أرحل باسم
الرجال و أنت ستكونين رهينة الأزلام
و تجدون في أغلب القصائد النقد
السياسي اللاذع للحكومة السابقة و اللاحقة خاصة في اغتصابهم للحريات الفردية و في
محاولة طمس حقوق المرأة الشرعية بممارستهم لسياسة الإقصاء و التهميش و في محاولة
كتابة دستور بقلم ذكوري يجعل المرأة خاضعة لهذا القانون و في تبعية عمياء .
الشعر وليد النفس
الإنسانية . ما هو تعريفك و قراءتك لفلسفة الشعر ؟
الشعر نتاج الذات الإنسانية و
قلمي يكتب باسم الإنسانية من ذلك التعبير عن صوت الفقير والمتشرّد والمتمرّد و
التعبير عن صوت العاشق الحزين و السعيد و التعبير عن صوت الأنثى وعن شعور الطفل
البريء بالحرمان و الضياع و التعبير عن صوت الفتاة المغتصبة و الإلمام بمختلف
القضايا الإجتماعية التي يعاني منها الإنسان عموما. إنّ الشعر رسالة إنسانية موجّهة
للعموم تمسّ كلّ ذات إنسانية في كلّ مكان وتلمّ بجميع المشاعر و الأحاسيس المتأجّجة
داخل كلّ ذات إنسانية.
الشعر لغة الخيال و
لكلّ شاعر فلسفة و نمط خاصّ . فما هي لغة الخيال التي ترسمين فيها صورك الشعريّة؟
الخيال لغة عميقة تعكس الذات و
الوجدان و بالنسبة إليّ أعتبر الخيال فنّ التحليق في فضاء اللّغة و الأدب والإحساس
لأنّ الخيال يرسم طريق الجمال و الفلسفة و الخلود دون الخضوع لقوانين معينة .
الخيال حريّة الشاعر و حرية القلم و حرية لامتناهية في عالم لا متناهٍ يكون مرآة
عاكسة لتخليد الذّات و تبليغ الرسالة بلغة رمزية عميقة تمسّ قضايا اجتماعية من
صميم الواقع .
هل بقيتِ أسيرة الثّقافة
التّونسيّة؟ أم هناك تحرّر و تطلّع إلى ثقافات عربية أخرى؟
في الحقيقة لم أكن أسيرة الثقافة
التونسية بل كنت أسيرة الثقافة العربية باعتباري مختصة في الحضارة العربية . صحيح
أنّي رسمت صورة وطني في كتاباتي الشعرية و قد امتدّت كتاباتي لتشمل صورة المرأة
العربية و صوت كل طفل عربي بريء يعاني من الحرمان أو من الطغيان أو من اغتصاب
الأرض من ذلك تترقت لقضية فلسطين و العراق و ليبيا و غيرها و نقلت كل المآسي التي
يعاني منها كل عربي فصوت الشاعر صوت لكل ذات انسانية تصلهم بصدق الكلمة و عمق
الحرف من أجل رسم الأمل والطموح والإستمرار و بث بصمة التغيير على الأوضاع . و قد دوّن
قلمي قصائد عن معاناة أطفال جنوب إفريقيا وكتب عن الكيان الصهيوني الذي يمارس
سياسة التوسع على البلدان العربية من أجل طمس ثقافة الإسلام و قد اعتمدت القلم
النقدي لمختلف هذه القضايا .
الشعر الجاهلي
قاعدة أساسية لكل الشعراء؟ فهل تأثّرت في ذلك و من هو الشاعر الذي كان لك نبراسا
من ذلك العصر؟
الشعر الجاهلي بؤرة الثّقافة و
الإنسانية و قد كنت مولعة بأشعار" الخنساء " خاصة في تمرّدها على الوضع و في رسمها لصور موجعة
تمسّ الذات الحزينة و ترسم مراد التغيير وأعتبر أنّ قلم " الخنساء"
يقترب كثيرا من قلمي في رسم صورة الألم و صورة الاغتصاب الذاتي الذي يطال النفس و
الجسد و العقل ويجعل المرأة كائنا انسانيا يمتاز بالإحساس و بالعشق و بالحنان و هو
ما عبرت عنه "الخنساء"
في كتاباتها و أعتبرها المرأة الأنموذج لصوت الحرمان و الغربة و الاغتراب .
من المعروف أنّ
بحور الشعر ستة عشر بحرا و لكل مجموعة منها دائرة عروضية . ما هي أفضليتك في بناء
القصيدة؟
معظم كتاباتي الشعرية تعتمد
القافية و العروض متّبعة في ذلك منهج " الخليل ابن أحمد الفراهيدي " و
بالنسبة لي ليس هناك تمشٍّ خاص في الشعر لأنني أكتب كلّ الألوان و كلّ الأنماط و
ربما النوع الجديد الذي يتميز به شعري هو تفكيك حروف كل اسم شخص ما و لقبه الكامل
و جعل كل حرف يحمل دلالات معنوية عميقة في ثوب غزل و تمجيد .
هل أنت مع الحداثة
في الشعر؟ أم أسيرة الموروث ؟ ما تعليقك؟
كتاباتي الشعرية متنوعة تنسجم مع
ما هو موروث و ما هو حديث و كل رؤية تعبر عن زمن معين لذلك لا أفصل بين ما هو
موروث و ما هو حديث باعتبار أنّ الحرية انعكاس لهما في آن واحد لأنّ الانسان يعيش
مع الذاكرة و الكتابة لا تستقلّ عن صيرورة التاريخ لأنّ الإنسان يعيش الموروث و
الحديث من أجل الاستمرارية و من أجل بناء فكر متوازن .
هل أضافت لك
الدراسة الأكاديمية و رسالة الماجستير شيئا في تطوير لغتك الشعرية؟
ممّا لا شك أنّ دراستي الأكاديمية
قد أضافت لي رؤى عميقة و إبداع خاص و خاصّة مع اطلاعي على مختلف كتابات المرأة
المتحرّرة على غرار " نوال السعداوي " و غادة السمان " و غيرهن و قد كتبت بعض
القصائد التي تحمل نفسا تحرّريا و فلسفيا و وجوديا و هيرمينوطيقيا أصوّر فيه
الموجود و الوجود والماورائيات و بعض القصائد الصوفية كالعشق الإلهي و أدب
الروحانيات .
تأثّر الشعر العربي
بالمراحل التاريخية التي مر بها؟ فكان الشعر الإسلامي و الأموي والعباسي و شعر
الصعلكة و الشعر العربي الحديث. ما هي قراءتك كشاعرة و في أيّ مرحلة تأثّرت و أي
شاعر كان لك مثالا؟
الشعر الإسلامي و الأموي و
العباسي و غيره نتاج لثقافات و حضارات متنوّعة و منفتحة على أجناس بشرية مختلفة
ممّا أثر على تطوّر الفكر و إنماء المعارف الدينية و اللغوية و الأدبية وساهموا في
اتّساع حركة التأليف و التدوين و بروز معارف فلسفية عميقة . بالنسبة لي كانت
التجربة الشعرية العباسية أقرب من غيرها باعتبار أنّ الشعر العباسي قد أنتج ثورة
اجتماعية من أجل الإصلاح الفكري و الاجتماعي على غرار " المتنبي و البحتري
". أمّا فيما يخصّ الشعر العربي الحديث فقد تأثّرت بكتابات " نزار قباني
و أبو قاسم الشابي و الماغوط " باعتبارهم مدرسة شعرية و فكرية كبيرة و رموز الفكر
العربي خاصة في تصوير صورة المرأة العربية و صورة الوطن و صورة الذات و رسم رؤى
الحزن و العشق و الوحدة و هم من بوادر الحرف و الكلمة الحرة الصادقة و أعتبر أنّ
" نزار قباني" هو الأب الروحي لكتابات " منى بعزاوي" الشعرية.
ما هو منجزك و نتاج
شعرك؟ و أي قصيدة أقرب لروحك؟
من إنجازاتي الشعرية كتاب " أوتار قلم الموناليزا " يضم 287
قصيدة موزّعة بين الشعر الوطني و النقد الاجتماعي و السياسي وقصائد عن العشق و
تأثيراته على الذات و قصائد عن الهجرة و الغربة و أخرى عن الاغتراب و بعض القصائد عن
صورة الوطن العراقي و ليبيا والجزائر و فلسطين و هذا الكتاب سيكون صادرا عن
"دار الأسدي للطباعة و النشر ببغداد " و في القريب سيكون لي كتاب ثان بعنوان
" عشق وجنون " و هو مرآة
عاكسة لكلّ عاشق متيم و مجنون بعشيقته و هو صدى لكلّ صوت عاشق ذاق الويلات من
العشق و انعكاس لتجارب واقعية ملموسة بين المراهقة و الميولات النفسية العميقة .
أوّل قصيدة في كتاب " عشق و جنون " بعنوان " سمّ أنثى " و
أعتبرها الأقرب إلى ذاتي لأنها ترسم صورة الأنثى العاشقة و الصادقة و تعتبر أن
العشق هو سمّ الأنثى الذي يقتل الرجل سعادة أو يقتله حزنا و ألما. وهذه بعض
الأبيات :
الجسم ارتعش و تحرّرا
من قبضة أنثى ساما
لدغتني يوما بسمّها
فصرت أحتضر ببطء
إن كان العشق قاتلا
فالسمّ أسرع بالقتل
ماذا تعني لك هذه
الأسماء وما تقيمك ؟
الخرنق بنت بدر الهفان : شاعرة من
شعراء الجاهلية كان أكثر شعرها في الرثاء و هي أم الدمع و أخت الألم و سيدة الصدق
وسيّدة الذات المتألمة و هي صاحبة الحرف القوي و الكلمة النابعة من الصميم .
الخنساء : هي الشاعرة أمّ الشهداء
صاحبة الرأي و الشخصية القوية و أخت الحرية و أهل الشرف و الكرم و هي صورة للمرأة
الأنموذج في التحدّي و في مشاركتها في الغزوات و في تميزها بإيمان صادق و نقي .
بدر شاكر السياب : شاعر من رموز العراق
و هو من مؤسّسي الشعر الحرّ و هو صوت الشوق و الحنين للوطن و صوت الضمير العربي
الحيّ و رجل الحرمان، له فلسفة عميقة وفكر لا محدود .
نزار قباني : هو أسطورة الحرف و
هو صورة لدمشق و هو صوت المرأة الحرّة و صوت الجسد الحرّ وشاعر الوجدان الصادق .
فهد العسكر : هو شاعر الانفتاح و
التحرّر و هو أنموذج للبسمة و الدّمعة و الصرخة من أعماق السجون وخارجها .
معروف الرصافي : هو شاعر عراقي
صاحب الأسلوب و اللغة العميقة ملمّ بالدين و علم الاجتماع و الفلسفة و روح التحدي
تترق لقضايا سياسية كبيرة و هو رمز لكل أديب و شاعر عربي معتز بالعروبة ، قلبه
ينبض عروبة و جسمه وطنا و روحه علما.
ما هي الرسالة التي
توجهينها كشاعرة للمجتمع العربي؟
كتاباتي الشعرية رسالة لكلّ مجتمع
عربي من أجل رسم الأمل على وجوه الفقراء و المظلومين و إرساء قيم نبيلة قوامها
الإنسانية و العطاء و التفكير في الآخر و احترام الرأي و الرأي المخالف و محاولة
التواصل مع الآخرين بأسلوب راق يكون قدوة لمختلف الأجيال القادمة وجعل قيم الحرية
و المساواة و العدالة قيما نابعة من الذات الإنسانية من أجل إحياء وطن حرّ وشريف و
من أجل نشر الوعي و المسؤولية في نفوس البشر و أن يعكس قلمي الصوت الثوري و النقد
اللاذع من أجل طمس كلّ ما هو خفيّ بهدف القضاء على كلّ أساليب التهميش و الإقصاء و
إرساء نظام فكري أخلاقي و اجتماعي متماسك يعكس التطور و التغيير نحو حياة أفضل في
ربوع العالم العربي و أتمنى أن تكون كتاباتي شمعة مضيئة على كلّ روح إنسانية تعتنق
الفكر والحرية و الحداثة ببصمة الموروث الثقافي .
علي الغزي
عليّ عبد الغزّي/ كاتب وصحفي (العراق) |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.