الشاعر ناصر عبد الحميد رمضان
لا يكفي أن يمتلك الشّاعر الموهبة الشّعريّة، بل ضروريّ أن يدعم الموهبة بالعلم
وبالثّقافة والاطّلاع والمطالعة. فالإبداع الأدبيّ لا يكون من فراغ وإنّما من
ثقافة الشّاعر الّتي يحملها فيرقّي بها نصّه ويقدّمه إلى المتلقّي في أبهى صوره.
حينها يضمن موقعا بين الشّعراء في عصره بل قد يتجاوزهم لجودة بناء النصّ ومعناه.
والشّاعر المصريّ ناصر عبد الحميد رمضان لم يحد عن هذا المنهج. فقد نهل من العلم
والأدب ما جعله يمارس الشّعر بما تلقّاه من إبداع الأوائل وأثراه بما جادت به
قريحته وموهبته. وآمن بثقافة الشّاعر "الموسوعيّة" ، بل قد استوعب مختلف
ألوان الشّعر قديمه وحديثه واطّلع على المدوّنات الشّعريّة في كلّ العصور كما
اطّلع على كتب نقد الشّعر والأدب عامّة.
وهذا هو المنهج القويم ليبلغ الشّاعر نصّه إلى المتلقّي...
وإليكم حوار بين الشّاعر ناصر عبد الحميد رمضان و الأديبة لما عبدالله كربجها
والّذي نشر في مجلّة كفربو الثقافيّة. وهو حوار يكشف لنا جوانب هامّة في تكوين
الشاعر والإنسان.
وهيبة
ﭬويّة
الشاعر المصري ناصر رمضان عبد الحميد
ضيف مجلة كفربو الثقافية
الشاعر ناصر عبد الحميد رمضان
* ليس لي رسالة
دينية فلست نبياً.
*الشاعر الحقيقي هو من يستوعب جميع ألوان الشعر.
*الحب هو الوحيد القادر على حل جميع مشاكلنا.. في عصر الرأسمالية المتوحشة ضاع
الحب...
***
دائماً الكلمة هي من تعبّر عن صاحبها، ومهما حاول اﻹنسان أن يجعل منها مجرّد
لوحة جميلة تسعد الناظر إليها بعيداً عن واقعه وطباعه وروحه، تكشفه الحروف
والعبارات بدﻻﻻتها القريبة والبعيدة. اليوم ضيف مجلة كفربو الثقافية أديب جعل من
الحبّ رسالة وهدفا”، إنّه الشاعر المصري ناصر رمضان عبد الحميد عضو اتحاد الكتاب في مصر، وعضو
الجمعية المصرية للدراسات التاريخية،عضو رابطة اﻷدب الإسلامي العالمية،عضو المنظمة
العالمية للكتاب اﻵفروآسيويين، عضو اللجنة الثقافية بهيئة خريجي الجامعات،عضو مؤسس
بنادي أدب الجيزة، سكرتير تحرير مجلة النهار، سكرتير تحرير رابطة اﻷدب الحديث،
سكرتير تحرير الجمعية المصرية لرعاية المواهب، سكرتير تحرير نادي أدب الجيزة. مدير
مكتب جريدة البينة الجديدة العراقية في القاهرة. مراسل موقع مقريصات برس المغربي.
***
1- أهلا بك أستاذ ناصر، أحبّ أن ننطلق بحوارنا من
باب الحديث عن بداياتك مع عالم الشعر واﻷدب.
* بدياتي مع الشعر كانت بحكم دراستي في
الأزهر، فكانت كتب المطالعة والنصوص مليئة بأشعار شوقي والمتنبي، ومن هنا مالت
نفسي إلى الشعر وصرت أحفظ النصوص عن ظهر قلب، وغدوت الأول على زملائي في مجال
النصوص والعروض والمطالعة، وكتبت بعض محاولاتي في سنّ مبكرة وعرضتها على أحد
أستاذتي وقد كان شاعراً لم يطبع له ففرح كثيراً، وبحكم حسي الأدبي والثقافي واختلاطيطي
بشعراء القرية، وقربي من عمي الشاعر الراحل محمد عطية وهو بروفيسور لغة انجليزية
عاش فترة في انجلترا، عرفت وأنا في الجامعة أن الشعر في المحافظة والقرية (الفيوم)
ميّت وأنّه عليّ إذا ما أردت أن أصبح شاعرا ” أن أعيش في القاهرة وأتواصل مع
الشعراء، وكوني كنت أشتري منذ الصغر مختلف دواوين الشعر منحني ذلك معرفة جميع
شعراء الوطن العربي من خلال كلماتهم وما أقرأ لهم، وأصبحوا أصدقائي اللذين ﻻ
يفارقون مكتبتي، ناهيك عن دواوين التراث بداية من الشعر الجاهلي وحتى شعر شوقي
وحافظ وقبلهما البارودي.. ومن هنا كان إصراري على أن أعيش بالقاهرة، وبالفعل وصار
معظم من رأيتهم عبر الورق أصدقائي، وكانت بدايتي الحقيقة منذ أول يوم لي في
القاهرة عندما اتصلت بالشاعر والناقد أحمد مصطفى حافظ صاحب كتاب: ((دوواوين
وشعراء))، وطلبت منه أن أتواصل مع الشعراء والندوات بعدما عرفته بنفسي، فدلّني على
هيئة خريجي الجامعات، وكذلك لقائي بالشاعر الراحل أحمد عبد الهادي وهكذا كانت انطلاقتي
الحقيقة، حيث بدأت أسمع وأتعرف على الشعراء وأتنقّل مابين الندوات، إلى أن قمت
بطبع ديواني الأول: ((ترانيم روح))، بعد عشر سنوات حضوراً وتفاعلا ” مع عالم الشعر
والشعراء، وغدوت أمتلك آﻻف الدواوين للشعراء المعاصرين من جميع أنحاء الدنيا، وصار
عندي ثمانية مؤلفات شعر ونثر.
2- كونك من خريجي اﻷزهر حيث كانت بدايتك مع الشعر هل تأثّر مسارك الشعري واﻷدبي
عامة بذلك؟
* ﻻ لم يتأثر ﻷني وسعت ثقافتي وصرت بعد التخرج من الجامعة أعيش مع الشعراء من كل
الاتجاهات قراءة وصحبة، والأزهر منفتح على الجميع والدليل أننا كنا ندرس شعر شوقي
وحافظ ومحمود حسن اسماعيل والبحتري وأبو تمام، لكنني لم أشغل نفسي حين أردت أن
أكون شاعراً بمناهج الأزهر الأدبية وإنما شغلت نفسي بالمعاصرين من مختلف الألوان
والاتجاهات والمدارس الشعرية والنقدية، والأزهر خرج شعراء عمالقة، لكن لم تشغلني
هذة الثنائية، بل استفدت منها والقارئ لشعري ﻻ يعرف مطلقاً أني أزهري، وإن كنت
أفتخر بأنني ابن من أبناء الجامعة العريقة التى تغنى بها شوقي: ((قم في فم الدنيا
وحي الازهرا))، فالشعر ليس حكراً على منهج أو اتجاه أو دراسة، الشعر تعليم وموهبة واحتكاك
وحالة وممارسة، وثقافة، وتراث ومعاصرة، واطّلاع وانتقاء وخيال.
3- اهتمامك
بالمعاصرين هل حملك إلى عالم الحداثة اللامحدود وهل كان ذلك من خلال أسماء معينة
تأثرت بها تجربتك؟ كذلك أحب أن أسألك سؤالي بشكل آخر: قلت أنك شغلت نفسك
بالمعاصرين من مختلف اﻷلوان والاتجاهات والمدارس الشعرية والنقدية، فهل تبلور لديك
ميل إلى اتجاه أكثر من غيره؟.. وما السبب وراء ذلك؟
… * الحداثة تعبير فضفاض وهي في الأساس معنية
بالاقتصاد والسياسة أو تغيرات حدثت على النظم الاقتصادية والاجتماعية، لكن الأدب
حداثي بطبعه فأشعار المتنبي ما زالت غضة طرية،والحداثة في الأدب إذا كانت تعني
التغير من أجل التغير فقط ولإرضاء مدارس النقد الحديثة فهذا مرفوض، فشعراء
الستينيات والسبعينات هم من دمروا الشعر أما الحداثة من حيث التجديد، فمطلب للجميع
فأنا أحافظ على الإيقاع وأجدّد ما شئت والتجديد من وجهه نظري في الشعر، يكون بالتلاحم
مع قضايا الناس، واللغة السهلة العميقة والساحة مليئة بالمبدعين الجدد، كأحمد بخيت
وياسر أنور، ومنتصر ثروت، وقمر صبري جاسم، وكثيرون، أما كوني شغلت نفسي بالمعاصرين
فأمر طبيعي فالإنسان ابن عصره، لكن لم أنزع من التراث فما زال المتنبي قريني، ولك
أن تعلمي أنّ عندي أكثر من طبعة وأكثر من شرح لديوان المتنبي، أهمها كتاب معجز
أحمد للمعري في أربع مجلدات، والشاعر الحقيقي ينهل من الجميع وأتحدى أن يوجد شاعر
معاصر، عربي أو غربي، كتبت عنه كتب أو دراسات أو ترجمات كالمتنبي فهو أبو الحداثة.
4- إجابة غنية تدفعني للتوسع وتفتح الباب لكثير من
الأسئلة، وكأنك تقول أن المتنبي شاعر حداثي وأن الشعر في كل زمان ومكان يصلح لكل
وقت بما يتناسب مع قضايا العصر؟
. * طبعا وفق اللغة، واللغة العربية حداثية
بطبعها، وتطير فوق بساط المجاز الذي يجعلها تحمل من المعاني الكثير، والشعر مجازي
بطبعه، ومن هنا يظل صالحاً لكل زمان ومكان، فالشاعر المجدد يحمل هموم وطنه ويبعث
ويبث فيه الأمل والجمال، كما كان الشاعر العربي القديم لسان حال القبيلة، أما الآن
فالشاعر لسان حال ذاته ونزواته التي ﻻ تنتهي، ومن هنا مات قبل أن يولد، ولنأخذ
مثال على ذلك أمل دنقل وكيف واكبت رائعته: ((ﻻ تصالح))، الحدث وهو الرفض للسلام مع
العدو، مع استدعائه للتراث، وأنصح الشعراء الجدد بقراءة كتاب: استدعاء التراث في
الشعر العربي المعاصر لعلي عشري زايد، وكتاب اللغة الشاعرة للعقاد..
5- كونك خريج
اﻷزهر هل فكرت باستعمال الشعر لإيصال رسالة دينية وكتبت ضمن هذا الاتجاه أم أنك
كنت تميل للتنويع في كتاباتك وفق الواقع وتأثرك الإنساني والشعري به؟
* ليس لي رسالة دينية فلست نبياً، والشعر لو
وظف في الوعظ فقد بريقه، ولصار ممﻻ” ، فالأدب شيء آخر، والأزهر أفادني فقط من حيث
اللفة وحب العلم والبحث، ﻷن التعليم في الأزهر صعب جداً، فالطالب يدرس المواد
الشرعية مع المواد العلمية، غير الحفظ من القرآن، المقسم على سنوات الدراسة وقد
درست أربع سنوات ثانوي نظام قديم، وكان مقرر علينا حفظ ألفية ابن مالك في النحو،
مع شرح ابن عقيل، والأزهر يمتاز بأنه يعطي لمن يلتحق بالقسم الأدبي وجبة دسمة في
الأدب والشعر، وهو ما صادف هوى لدي، لكن الشاعر بداخلي تمرد كطبعي المتمرد الملول،
ومن هنا فتحت لنفسي عوالم كثيرة في الشعر والأدب. أما كتاباتي فهي تعبير عن ثقافتي
والشعر حالة، وقد تعلمت في الجامعة القراءة النقدية، ولي مشروع أدبي وثقافي أتمنى
أن يخرج للنور، في مؤلفات تحمل هموم الثقافة وتضيف للرصيد الإنساني ما يشفع لنا
كعرب وأننا نستحق الحياة ﻻ الموت، وأننا نعمر وﻻ ندمر، ونتفاعل مع الجميع بالحب،
والثقافة مشترك إنساني، والشعر لغة عالمية.
6- كتبت كل أنواع الشعر وقد ﻻحظت لديك ميلا ” أكبر لشعر التفعيلة، هل السبب وراء
ذلك كونك وجدت في هذا النوع من الشعر استيعابا
” أكثر لما تريد التعبير عنه؟
* الشاعر الحقيقي هو من يستوعب جميع ألوان
الشعر وليس العكس لكن لعل رجوع ذلك إلى حبي لشعراء التفعيلة ولاطّلاعي على
نتاجاتهم منذ الصغر، من أمثال صلاح عبد الصبور والسيباب، وحجازي ودنقل ومحمود
درويش. والشاعر حين يكتب ﻻ يختار هي حالة تفرض نفسها، والصنعة مطلوبة لكن تعمدها
يفسد النص وهذا هو الفرق بين الشعر والرواية، فالشاعر مبدع تعلم العروض كقائد
السيارة يقودها وﻻ تقودة رغم أنها هي سر الوصول لما يريد، فالروائي يضع أطر وقواعد
وفكرة وعقدة وحل سرد وو.. كما هو معروف ثم
يأتي الإبداع، عكس الشعر الإبداع فيه أوﻻ” ، وﻻ يعرف سوى الخيال ومن هنا كان الشعر
إحساساً بعكس الرواية التي تقوم على الحكي، ومن هنا أيضاً كان بعض من الشعر
الجاهلي يحمل أفق الرواية والقصة، بل إن كثيراً من الشعر الجاهلي كان يحمل في
طياته قصص من التراث العربي أو حتى الخرافة أو الأسطورة،أو المثل عند العرب ولعل
قصة (ذات الصفا) التي جاءت في مجمع الأمثال للميداني، وهي مثال تردده العرب وأصله
ما حكي من مثل: (كيف أعاونك وهذا أثر فأسك). وقد صاغ النابغة الذبياني ذلك في
قصيدة.
7- ﻻحظت في شعرك اختيارك لرقيق الكلمات وبسيطها، اختيارات تكاد تخلو من الرموز
والصور المعقدة عندما يتعلق الأمر بالحب وما يربط الرجل بالمرأة وكأنك تقول هو
الحب بكل بساطته وعطائه اللامحدود، بينما عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية
والقومية نراك رغم بساطة الحروف تمخر عباب بحر من الصور والرموز.. أستاذ ناصر، هل
جاء ذلك سهو الخاطر المبدع خلال ما يعيشه من أحاسيس وحاﻻت وانفعالات أثناء العملية
الإبداعية أم أنك تقصدت ذلك وتحديداً بالنسبة للرمز عندما يتعلق بالقضايا الوطنية
والمصيرية والقومية وخاصة ضمن ما نعيشه من ظروف وخيبات؟
* الحالة هي التي تفرض نفسها واللغة اختيار،
والشعر والحب صنوان، فلوﻻ الحب ما قامت دولة الشعر، والحب يهذب اللغة ويجعل الشعر
رفرافا”، والحب حالة والشعر حالة، وكلاهما خيال، وكلاهما مغامرة، لكن الشعر يحتوي
الحب ويجعل منه حديث السمار. والوطن حب أيضاً ومقدم على حب الجميع. لكن نظراً لمقص
الرقيب قد يلجأ الشاعر إلى الرمز عن قصد، لكن دون الإغراق فيما ﻻ يغهم وبعيداً عن
القارئ، والصورة هي العمود الفقري للشعر، وبالنسبة لي فحين أكتب ﻻ أضع في حسباني ﻻ
رقيب وﻻ حسيب، ودواويني تشهد بذلك، فأنا شاعر أكتب ما أشعر به فقط وأتفاعل مع
قضايا الوطن العربي ، والإنسان كإنسان هو شغلي،أحب الحرية وأرفض الظلم ، وإذا وضع
الشاعر الخوف على قلمه وهو يبدع .أو وضع للنص حسابات، خرج مشوها”، أما خيبات
الظروف فهي معنا منذ ولدنا وقدرنا أن نعيش ونموت وسط الطوفان، وطوفان عصرنا بﻻ
نوح.. – أستاذ ناصر سفينة الله موجودة في كل زمان ومكان وهي مشرعة للجميع الله هو
من يختار الخير لنا وهو من يقول للشيء كن فيكون. …
8- انطلاقاً من
إجابتك السابق ﻻحظت أن رسالتك هي الحب، فأنت القائل في مقدمة مجموعتك النثرية
علمني الحب: (( الحب هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على التفكك والحقد والصراع…الناس
بلا حب وحوش في ميدان الحياة، ﻻ أمن لهم وﻻ أمان يستحوذ عليهم الخوف والطمع
والاقتتال)).
أستاذ هل ترى أن الحب يستطيع أن ينقذ
شيئاً مما يعيشه إنسان عصرنا المنهك في عالم من الكره والحروب، أو بالأحرى هل
يمكننا استخدام الحب كرسالة في هذا الزمن الصعب رغم إدراكنا جميعاً أنه الحل
الوحيد لما نعيشه؟
* الحب هو الوحيد القادر على حل جميع
مشاكلنا، شريطة أن نؤمن بالحب، وأن ندرك أن المال عرض وأننا نملكة وﻻ يملكنا، ففي
عصر الرأسمالية المتوحشة ضاع الحب، وصار الجميع يتعاملون من أجل المصلحة مع
ادعائهم الحب، وﻻ أنكر دور المصالح في التعاملات لكن ﻻ تكون هي الفيصل والأساس،
فالإنسان روح وجسد وبالحب تتفاعل الروح مع الجسد وتنشأ السعادة والرضا، السعادة
التي قد تكون في قصيدة شعر كتبتها، أو النظر في وجه طفل وسيم يضحك فتضحك الدنيا
معه، وقد تكون في وجه الشمس حين تخرج على الناس فيحسون بالدفء ولو للحظة، قد تكون
في هاتف يجعلك تتواصل مع أهلك، أو سيارة توصلك إلى ما تريد.. وكلما قرأ الإنسان
وطال به العمر عرف أن الحياة ﻻ تستحق الحروب والدمار والخلاف وأنها ﻻ تقوم إلا على
الحب.
9- كتبت الشعر والرواية والنقد والقصة والتراجم وكذلك كتبت في التفسير والفقه
وأنت الذي تحمل ليسانس أصول الدين (جامعة اﻷزهر) قسم التفسير عام 2000. إلى أي اتجاه
من هذه الاتجاهات الواسعة تميل وتجد نفسك فيه أكثر؟ أيضاً أﻻ ترى معي أن التنويع
قد يبدد قدرات المبدع ويقلل من مستوى عطائه خاصة وأننا في زمن الاختصاص؟
* أميل إلى الشعر تحديداً والأدب عامة، فعلاقتي
بالتفسير علاقة تخصص ودراسة، وبطبعي أحترم التخصص لكن الشعر موهبة تصقل بالاحتكاك
والممارسة، والشعر ﻻ يقبل الشريك، إلا أن دراستي للتفسير وعلوم القرآن فتحت لي
مغاليق كثيرة، في الحياة والدين يسر والرسالات السماوية رحمة ونعمة ، لكن أطماع
البشر هي التي حولت الحياة إلى جحيم، والشاعر ﻻبد أن يكون مثقفا” ومطلعا”
وموسوعيا” ، والشعر أداة من أدوات فهم التفسير والعلاقة بينهما وشيجة ، واللغة
عامل مشترك بينهما، لكن التفسير يبحث في هداية الناس لأنه يكشف ويبين معاني النص
المنزل من عند الله ،بقدر ثقافة المفسر وإتقانه لأدواته، واطّلاعه على لغة العرب
وعاداتهم. وأحب أن أنبه على أمر أراه من
الخطايا في عصرنا وهو ترك الشباب للتخصص فقط، فالتخصص ﻻ يعني الانكفاء على مادة
بعينها وإنما يعني الموسوعية التي تخدم أيضا بعضها بعض، فالعلوم متشابكة واﻹلمام
بالتخصص فقط يضر، فلا يصح أن تكون متخصصاً في التاريخ الحديث و ﻻ تعرف شيئا عن
الجغرافيا لأنها هي التي تحدد التاريخ، والمؤرخ كاللغوي يبحر ليصل إلى ما يريد
والشعر تاريخ ولغة وثقافة، وسبب اكتفاء الجيل بالتخصص هو البحث عن وظيفة، أو
الحصول على الدكتوراه، لكن الإبداع شأن آخر والموسوعية الأصل والتخصص فرع.
10- أستاذ ناصر
أحب أن أنهي حوارنا بالحديث عن نتاجاتك اﻷدبية وعن كونك راضياً عما قدمته ووصلت
إليه؟ وهل هذا الرضا هو رضا في جميع الاتجاهات والنواحي أم كان ضمن ناحية على حساب
اﻷخرى؟
* نتاجي معقول فأنا أطبع كل عام كتاب منذ
بداية التأليف والدخول إلى عالم الابداع. صدر لي:
1- ترانيم روح (شعر).
2- في المطار (رواية).
3- مرايا الرحيل (شعر)
4- أوراق الخريف (نقد).
5- حديث النار (شعر).
6- علمني الحب (نصوص أدبية).
7- لن أنسحب (شعر).
وخلال أيام يصدر ديواني الجديد: طيفك بين الرصاص.
نعم أنا راض وسعيد بحياتي مع الحرف والكتاب، وليس عندي نواحي أخرى حياتي كلها
كتب وشعر وثقافة.
يامصر حبك في دمي
يا مصر حبك في دمي يا غالية
يا جنتي ذات الغصون العالية
في مهجتي أنت المقيمة دائما
ﻻ أرتضي عنك النوى لو ثانيه
قالوا بلاد الزيت تطلب مثلكم
وأجوركم فيها أجور وافيه
فأجبتهم مهما يكن من أمرها
انأ لن أسافر للبلاد النائية
مالي وللبترول في صحرائها
ﻻ مال يعدل صحتي والعافيه
أنا ابن مصر ومصر أمي..إنني
أهوى هواها والربي والساقيه
ﻻ أستطيع فراقها يا إخوتي
وعلي أن أرعى حقوق بلاديه
بلدي وإن جف الحنان بضرعها
فالنيل يسعفها بماء صافيه
إني لأقنع بالقليل ترفعا
لأظل في أحضان مصر الدافيه
إن اللقيمات الحلال بأرضها حسبي
وﻻ أبغي امتلاء الحاشيه
أنا طائر الكروان فوق ربوعها
أشدو فهل فهم الحضور غنائيه؟
أنا لن أجوع إذا بقيت بأرضها
فهي الرؤوم على بنيها حانيه
ﻻ لن يضام على ثراها عامل
بذل الجهود لخير أم راعيه
فالله قد ربط القناعة بالرضا
لتظل أنفس خلقه متساويه
حاورته: الأديبة لما عبدالله كربجها
الشاعر ناصر عبد الحميد رمضان |
لا يكفي أن يمتلك الشّاعر الموهبة الشّعريّة، بل ضروريّ أن يدعم الموهبة بالعلم
وبالثّقافة والاطّلاع والمطالعة. فالإبداع الأدبيّ لا يكون من فراغ وإنّما من
ثقافة الشّاعر الّتي يحملها فيرقّي بها نصّه ويقدّمه إلى المتلقّي في أبهى صوره.
حينها يضمن موقعا بين الشّعراء في عصره بل قد يتجاوزهم لجودة بناء النصّ ومعناه.
والشّاعر المصريّ ناصر عبد الحميد رمضان لم يحد عن هذا المنهج. فقد نهل من العلم والأدب ما جعله يمارس الشّعر بما تلقّاه من إبداع الأوائل وأثراه بما جادت به قريحته وموهبته. وآمن بثقافة الشّاعر "الموسوعيّة" ، بل قد استوعب مختلف ألوان الشّعر قديمه وحديثه واطّلع على المدوّنات الشّعريّة في كلّ العصور كما اطّلع على كتب نقد الشّعر والأدب عامّة. وهذا هو المنهج القويم ليبلغ الشّاعر نصّه إلى المتلقّي...
وإليكم حوار بين الشّاعر ناصر عبد الحميد رمضان و الأديبة لما عبدالله كربجها والّذي نشر في مجلّة كفربو الثقافيّة. وهو حوار يكشف لنا جوانب هامّة في تكوين الشاعر والإنسان.
والشّاعر المصريّ ناصر عبد الحميد رمضان لم يحد عن هذا المنهج. فقد نهل من العلم والأدب ما جعله يمارس الشّعر بما تلقّاه من إبداع الأوائل وأثراه بما جادت به قريحته وموهبته. وآمن بثقافة الشّاعر "الموسوعيّة" ، بل قد استوعب مختلف ألوان الشّعر قديمه وحديثه واطّلع على المدوّنات الشّعريّة في كلّ العصور كما اطّلع على كتب نقد الشّعر والأدب عامّة. وهذا هو المنهج القويم ليبلغ الشّاعر نصّه إلى المتلقّي...
وإليكم حوار بين الشّاعر ناصر عبد الحميد رمضان و الأديبة لما عبدالله كربجها والّذي نشر في مجلّة كفربو الثقافيّة. وهو حوار يكشف لنا جوانب هامّة في تكوين الشاعر والإنسان.
وهيبة
ﭬويّة
الشاعر المصري ناصر رمضان عبد الحميد
ضيف مجلة كفربو الثقافية
ضيف مجلة كفربو الثقافية
الشاعر ناصر عبد الحميد رمضان |
* ليس لي رسالة
دينية فلست نبياً.
*الشاعر الحقيقي هو من يستوعب جميع ألوان الشعر.
*الحب هو الوحيد القادر على حل جميع مشاكلنا.. في عصر الرأسمالية المتوحشة ضاع
الحب...
***
دائماً الكلمة هي من تعبّر عن صاحبها، ومهما حاول اﻹنسان أن يجعل منها مجرّد
لوحة جميلة تسعد الناظر إليها بعيداً عن واقعه وطباعه وروحه، تكشفه الحروف
والعبارات بدﻻﻻتها القريبة والبعيدة. اليوم ضيف مجلة كفربو الثقافية أديب جعل من
الحبّ رسالة وهدفا”، إنّه الشاعر المصري ناصر رمضان عبد الحميد عضو اتحاد الكتاب في مصر، وعضو
الجمعية المصرية للدراسات التاريخية،عضو رابطة اﻷدب الإسلامي العالمية،عضو المنظمة
العالمية للكتاب اﻵفروآسيويين، عضو اللجنة الثقافية بهيئة خريجي الجامعات،عضو مؤسس
بنادي أدب الجيزة، سكرتير تحرير مجلة النهار، سكرتير تحرير رابطة اﻷدب الحديث،
سكرتير تحرير الجمعية المصرية لرعاية المواهب، سكرتير تحرير نادي أدب الجيزة. مدير
مكتب جريدة البينة الجديدة العراقية في القاهرة. مراسل موقع مقريصات برس المغربي.
***
1- أهلا بك أستاذ ناصر، أحبّ أن ننطلق بحوارنا من
باب الحديث عن بداياتك مع عالم الشعر واﻷدب.
* بدياتي مع الشعر كانت بحكم دراستي في
الأزهر، فكانت كتب المطالعة والنصوص مليئة بأشعار شوقي والمتنبي، ومن هنا مالت
نفسي إلى الشعر وصرت أحفظ النصوص عن ظهر قلب، وغدوت الأول على زملائي في مجال
النصوص والعروض والمطالعة، وكتبت بعض محاولاتي في سنّ مبكرة وعرضتها على أحد
أستاذتي وقد كان شاعراً لم يطبع له ففرح كثيراً، وبحكم حسي الأدبي والثقافي واختلاطيطي
بشعراء القرية، وقربي من عمي الشاعر الراحل محمد عطية وهو بروفيسور لغة انجليزية
عاش فترة في انجلترا، عرفت وأنا في الجامعة أن الشعر في المحافظة والقرية (الفيوم)
ميّت وأنّه عليّ إذا ما أردت أن أصبح شاعرا ” أن أعيش في القاهرة وأتواصل مع
الشعراء، وكوني كنت أشتري منذ الصغر مختلف دواوين الشعر منحني ذلك معرفة جميع
شعراء الوطن العربي من خلال كلماتهم وما أقرأ لهم، وأصبحوا أصدقائي اللذين ﻻ
يفارقون مكتبتي، ناهيك عن دواوين التراث بداية من الشعر الجاهلي وحتى شعر شوقي
وحافظ وقبلهما البارودي.. ومن هنا كان إصراري على أن أعيش بالقاهرة، وبالفعل وصار
معظم من رأيتهم عبر الورق أصدقائي، وكانت بدايتي الحقيقة منذ أول يوم لي في
القاهرة عندما اتصلت بالشاعر والناقد أحمد مصطفى حافظ صاحب كتاب: ((دوواوين
وشعراء))، وطلبت منه أن أتواصل مع الشعراء والندوات بعدما عرفته بنفسي، فدلّني على
هيئة خريجي الجامعات، وكذلك لقائي بالشاعر الراحل أحمد عبد الهادي وهكذا كانت انطلاقتي
الحقيقة، حيث بدأت أسمع وأتعرف على الشعراء وأتنقّل مابين الندوات، إلى أن قمت
بطبع ديواني الأول: ((ترانيم روح))، بعد عشر سنوات حضوراً وتفاعلا ” مع عالم الشعر
والشعراء، وغدوت أمتلك آﻻف الدواوين للشعراء المعاصرين من جميع أنحاء الدنيا، وصار
عندي ثمانية مؤلفات شعر ونثر.
2- كونك من خريجي اﻷزهر حيث كانت بدايتك مع الشعر هل تأثّر مسارك الشعري واﻷدبي
عامة بذلك؟
* ﻻ لم يتأثر ﻷني وسعت ثقافتي وصرت بعد التخرج من الجامعة أعيش مع الشعراء من كل
الاتجاهات قراءة وصحبة، والأزهر منفتح على الجميع والدليل أننا كنا ندرس شعر شوقي
وحافظ ومحمود حسن اسماعيل والبحتري وأبو تمام، لكنني لم أشغل نفسي حين أردت أن
أكون شاعراً بمناهج الأزهر الأدبية وإنما شغلت نفسي بالمعاصرين من مختلف الألوان
والاتجاهات والمدارس الشعرية والنقدية، والأزهر خرج شعراء عمالقة، لكن لم تشغلني
هذة الثنائية، بل استفدت منها والقارئ لشعري ﻻ يعرف مطلقاً أني أزهري، وإن كنت
أفتخر بأنني ابن من أبناء الجامعة العريقة التى تغنى بها شوقي: ((قم في فم الدنيا
وحي الازهرا))، فالشعر ليس حكراً على منهج أو اتجاه أو دراسة، الشعر تعليم وموهبة واحتكاك
وحالة وممارسة، وثقافة، وتراث ومعاصرة، واطّلاع وانتقاء وخيال.
3- اهتمامك
بالمعاصرين هل حملك إلى عالم الحداثة اللامحدود وهل كان ذلك من خلال أسماء معينة
تأثرت بها تجربتك؟ كذلك أحب أن أسألك سؤالي بشكل آخر: قلت أنك شغلت نفسك
بالمعاصرين من مختلف اﻷلوان والاتجاهات والمدارس الشعرية والنقدية، فهل تبلور لديك
ميل إلى اتجاه أكثر من غيره؟.. وما السبب وراء ذلك؟
… * الحداثة تعبير فضفاض وهي في الأساس معنية
بالاقتصاد والسياسة أو تغيرات حدثت على النظم الاقتصادية والاجتماعية، لكن الأدب
حداثي بطبعه فأشعار المتنبي ما زالت غضة طرية،والحداثة في الأدب إذا كانت تعني
التغير من أجل التغير فقط ولإرضاء مدارس النقد الحديثة فهذا مرفوض، فشعراء
الستينيات والسبعينات هم من دمروا الشعر أما الحداثة من حيث التجديد، فمطلب للجميع
فأنا أحافظ على الإيقاع وأجدّد ما شئت والتجديد من وجهه نظري في الشعر، يكون بالتلاحم
مع قضايا الناس، واللغة السهلة العميقة والساحة مليئة بالمبدعين الجدد، كأحمد بخيت
وياسر أنور، ومنتصر ثروت، وقمر صبري جاسم، وكثيرون، أما كوني شغلت نفسي بالمعاصرين
فأمر طبيعي فالإنسان ابن عصره، لكن لم أنزع من التراث فما زال المتنبي قريني، ولك
أن تعلمي أنّ عندي أكثر من طبعة وأكثر من شرح لديوان المتنبي، أهمها كتاب معجز
أحمد للمعري في أربع مجلدات، والشاعر الحقيقي ينهل من الجميع وأتحدى أن يوجد شاعر
معاصر، عربي أو غربي، كتبت عنه كتب أو دراسات أو ترجمات كالمتنبي فهو أبو الحداثة.
4- إجابة غنية تدفعني للتوسع وتفتح الباب لكثير من
الأسئلة، وكأنك تقول أن المتنبي شاعر حداثي وأن الشعر في كل زمان ومكان يصلح لكل
وقت بما يتناسب مع قضايا العصر؟
. * طبعا وفق اللغة، واللغة العربية حداثية
بطبعها، وتطير فوق بساط المجاز الذي يجعلها تحمل من المعاني الكثير، والشعر مجازي
بطبعه، ومن هنا يظل صالحاً لكل زمان ومكان، فالشاعر المجدد يحمل هموم وطنه ويبعث
ويبث فيه الأمل والجمال، كما كان الشاعر العربي القديم لسان حال القبيلة، أما الآن
فالشاعر لسان حال ذاته ونزواته التي ﻻ تنتهي، ومن هنا مات قبل أن يولد، ولنأخذ
مثال على ذلك أمل دنقل وكيف واكبت رائعته: ((ﻻ تصالح))، الحدث وهو الرفض للسلام مع
العدو، مع استدعائه للتراث، وأنصح الشعراء الجدد بقراءة كتاب: استدعاء التراث في
الشعر العربي المعاصر لعلي عشري زايد، وكتاب اللغة الشاعرة للعقاد..
5- كونك خريج
اﻷزهر هل فكرت باستعمال الشعر لإيصال رسالة دينية وكتبت ضمن هذا الاتجاه أم أنك
كنت تميل للتنويع في كتاباتك وفق الواقع وتأثرك الإنساني والشعري به؟
* ليس لي رسالة دينية فلست نبياً، والشعر لو
وظف في الوعظ فقد بريقه، ولصار ممﻻ” ، فالأدب شيء آخر، والأزهر أفادني فقط من حيث
اللفة وحب العلم والبحث، ﻷن التعليم في الأزهر صعب جداً، فالطالب يدرس المواد
الشرعية مع المواد العلمية، غير الحفظ من القرآن، المقسم على سنوات الدراسة وقد
درست أربع سنوات ثانوي نظام قديم، وكان مقرر علينا حفظ ألفية ابن مالك في النحو،
مع شرح ابن عقيل، والأزهر يمتاز بأنه يعطي لمن يلتحق بالقسم الأدبي وجبة دسمة في
الأدب والشعر، وهو ما صادف هوى لدي، لكن الشاعر بداخلي تمرد كطبعي المتمرد الملول،
ومن هنا فتحت لنفسي عوالم كثيرة في الشعر والأدب. أما كتاباتي فهي تعبير عن ثقافتي
والشعر حالة، وقد تعلمت في الجامعة القراءة النقدية، ولي مشروع أدبي وثقافي أتمنى
أن يخرج للنور، في مؤلفات تحمل هموم الثقافة وتضيف للرصيد الإنساني ما يشفع لنا
كعرب وأننا نستحق الحياة ﻻ الموت، وأننا نعمر وﻻ ندمر، ونتفاعل مع الجميع بالحب،
والثقافة مشترك إنساني، والشعر لغة عالمية.
6- كتبت كل أنواع الشعر وقد ﻻحظت لديك ميلا ” أكبر لشعر التفعيلة، هل السبب وراء
ذلك كونك وجدت في هذا النوع من الشعر استيعابا
” أكثر لما تريد التعبير عنه؟
* الشاعر الحقيقي هو من يستوعب جميع ألوان
الشعر وليس العكس لكن لعل رجوع ذلك إلى حبي لشعراء التفعيلة ولاطّلاعي على
نتاجاتهم منذ الصغر، من أمثال صلاح عبد الصبور والسيباب، وحجازي ودنقل ومحمود
درويش. والشاعر حين يكتب ﻻ يختار هي حالة تفرض نفسها، والصنعة مطلوبة لكن تعمدها
يفسد النص وهذا هو الفرق بين الشعر والرواية، فالشاعر مبدع تعلم العروض كقائد
السيارة يقودها وﻻ تقودة رغم أنها هي سر الوصول لما يريد، فالروائي يضع أطر وقواعد
وفكرة وعقدة وحل سرد وو.. كما هو معروف ثم
يأتي الإبداع، عكس الشعر الإبداع فيه أوﻻ” ، وﻻ يعرف سوى الخيال ومن هنا كان الشعر
إحساساً بعكس الرواية التي تقوم على الحكي، ومن هنا أيضاً كان بعض من الشعر
الجاهلي يحمل أفق الرواية والقصة، بل إن كثيراً من الشعر الجاهلي كان يحمل في
طياته قصص من التراث العربي أو حتى الخرافة أو الأسطورة،أو المثل عند العرب ولعل
قصة (ذات الصفا) التي جاءت في مجمع الأمثال للميداني، وهي مثال تردده العرب وأصله
ما حكي من مثل: (كيف أعاونك وهذا أثر فأسك). وقد صاغ النابغة الذبياني ذلك في
قصيدة.
7- ﻻحظت في شعرك اختيارك لرقيق الكلمات وبسيطها، اختيارات تكاد تخلو من الرموز
والصور المعقدة عندما يتعلق الأمر بالحب وما يربط الرجل بالمرأة وكأنك تقول هو
الحب بكل بساطته وعطائه اللامحدود، بينما عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية
والقومية نراك رغم بساطة الحروف تمخر عباب بحر من الصور والرموز.. أستاذ ناصر، هل
جاء ذلك سهو الخاطر المبدع خلال ما يعيشه من أحاسيس وحاﻻت وانفعالات أثناء العملية
الإبداعية أم أنك تقصدت ذلك وتحديداً بالنسبة للرمز عندما يتعلق بالقضايا الوطنية
والمصيرية والقومية وخاصة ضمن ما نعيشه من ظروف وخيبات؟
* الحالة هي التي تفرض نفسها واللغة اختيار،
والشعر والحب صنوان، فلوﻻ الحب ما قامت دولة الشعر، والحب يهذب اللغة ويجعل الشعر
رفرافا”، والحب حالة والشعر حالة، وكلاهما خيال، وكلاهما مغامرة، لكن الشعر يحتوي
الحب ويجعل منه حديث السمار. والوطن حب أيضاً ومقدم على حب الجميع. لكن نظراً لمقص
الرقيب قد يلجأ الشاعر إلى الرمز عن قصد، لكن دون الإغراق فيما ﻻ يغهم وبعيداً عن
القارئ، والصورة هي العمود الفقري للشعر، وبالنسبة لي فحين أكتب ﻻ أضع في حسباني ﻻ
رقيب وﻻ حسيب، ودواويني تشهد بذلك، فأنا شاعر أكتب ما أشعر به فقط وأتفاعل مع
قضايا الوطن العربي ، والإنسان كإنسان هو شغلي،أحب الحرية وأرفض الظلم ، وإذا وضع
الشاعر الخوف على قلمه وهو يبدع .أو وضع للنص حسابات، خرج مشوها”، أما خيبات
الظروف فهي معنا منذ ولدنا وقدرنا أن نعيش ونموت وسط الطوفان، وطوفان عصرنا بﻻ
نوح.. – أستاذ ناصر سفينة الله موجودة في كل زمان ومكان وهي مشرعة للجميع الله هو
من يختار الخير لنا وهو من يقول للشيء كن فيكون. …
8- انطلاقاً من
إجابتك السابق ﻻحظت أن رسالتك هي الحب، فأنت القائل في مقدمة مجموعتك النثرية
علمني الحب: (( الحب هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على التفكك والحقد والصراع…الناس
بلا حب وحوش في ميدان الحياة، ﻻ أمن لهم وﻻ أمان يستحوذ عليهم الخوف والطمع
والاقتتال)).
أستاذ هل ترى أن الحب يستطيع أن ينقذ
شيئاً مما يعيشه إنسان عصرنا المنهك في عالم من الكره والحروب، أو بالأحرى هل
يمكننا استخدام الحب كرسالة في هذا الزمن الصعب رغم إدراكنا جميعاً أنه الحل
الوحيد لما نعيشه؟
* الحب هو الوحيد القادر على حل جميع
مشاكلنا، شريطة أن نؤمن بالحب، وأن ندرك أن المال عرض وأننا نملكة وﻻ يملكنا، ففي
عصر الرأسمالية المتوحشة ضاع الحب، وصار الجميع يتعاملون من أجل المصلحة مع
ادعائهم الحب، وﻻ أنكر دور المصالح في التعاملات لكن ﻻ تكون هي الفيصل والأساس،
فالإنسان روح وجسد وبالحب تتفاعل الروح مع الجسد وتنشأ السعادة والرضا، السعادة
التي قد تكون في قصيدة شعر كتبتها، أو النظر في وجه طفل وسيم يضحك فتضحك الدنيا
معه، وقد تكون في وجه الشمس حين تخرج على الناس فيحسون بالدفء ولو للحظة، قد تكون
في هاتف يجعلك تتواصل مع أهلك، أو سيارة توصلك إلى ما تريد.. وكلما قرأ الإنسان
وطال به العمر عرف أن الحياة ﻻ تستحق الحروب والدمار والخلاف وأنها ﻻ تقوم إلا على
الحب.
9- كتبت الشعر والرواية والنقد والقصة والتراجم وكذلك كتبت في التفسير والفقه
وأنت الذي تحمل ليسانس أصول الدين (جامعة اﻷزهر) قسم التفسير عام 2000. إلى أي اتجاه
من هذه الاتجاهات الواسعة تميل وتجد نفسك فيه أكثر؟ أيضاً أﻻ ترى معي أن التنويع
قد يبدد قدرات المبدع ويقلل من مستوى عطائه خاصة وأننا في زمن الاختصاص؟
* أميل إلى الشعر تحديداً والأدب عامة، فعلاقتي
بالتفسير علاقة تخصص ودراسة، وبطبعي أحترم التخصص لكن الشعر موهبة تصقل بالاحتكاك
والممارسة، والشعر ﻻ يقبل الشريك، إلا أن دراستي للتفسير وعلوم القرآن فتحت لي
مغاليق كثيرة، في الحياة والدين يسر والرسالات السماوية رحمة ونعمة ، لكن أطماع
البشر هي التي حولت الحياة إلى جحيم، والشاعر ﻻبد أن يكون مثقفا” ومطلعا”
وموسوعيا” ، والشعر أداة من أدوات فهم التفسير والعلاقة بينهما وشيجة ، واللغة
عامل مشترك بينهما، لكن التفسير يبحث في هداية الناس لأنه يكشف ويبين معاني النص
المنزل من عند الله ،بقدر ثقافة المفسر وإتقانه لأدواته، واطّلاعه على لغة العرب
وعاداتهم. وأحب أن أنبه على أمر أراه من
الخطايا في عصرنا وهو ترك الشباب للتخصص فقط، فالتخصص ﻻ يعني الانكفاء على مادة
بعينها وإنما يعني الموسوعية التي تخدم أيضا بعضها بعض، فالعلوم متشابكة واﻹلمام
بالتخصص فقط يضر، فلا يصح أن تكون متخصصاً في التاريخ الحديث و ﻻ تعرف شيئا عن
الجغرافيا لأنها هي التي تحدد التاريخ، والمؤرخ كاللغوي يبحر ليصل إلى ما يريد
والشعر تاريخ ولغة وثقافة، وسبب اكتفاء الجيل بالتخصص هو البحث عن وظيفة، أو
الحصول على الدكتوراه، لكن الإبداع شأن آخر والموسوعية الأصل والتخصص فرع.
10- أستاذ ناصر
أحب أن أنهي حوارنا بالحديث عن نتاجاتك اﻷدبية وعن كونك راضياً عما قدمته ووصلت
إليه؟ وهل هذا الرضا هو رضا في جميع الاتجاهات والنواحي أم كان ضمن ناحية على حساب
اﻷخرى؟
* نتاجي معقول فأنا أطبع كل عام كتاب منذ
بداية التأليف والدخول إلى عالم الابداع. صدر لي:
1- ترانيم روح (شعر).
2- في المطار (رواية).
3- مرايا الرحيل (شعر)
4- أوراق الخريف (نقد).
5- حديث النار (شعر).
6- علمني الحب (نصوص أدبية).
7- لن أنسحب (شعر).
وخلال أيام يصدر ديواني الجديد: طيفك بين الرصاص.
نعم أنا راض وسعيد بحياتي مع الحرف والكتاب، وليس عندي نواحي أخرى حياتي كلها
كتب وشعر وثقافة.
يامصر حبك في دمي
يا مصر حبك في دمي يا غالية
يا جنتي ذات الغصون العالية
في مهجتي أنت المقيمة دائما
ﻻ أرتضي عنك النوى لو ثانيه
قالوا بلاد الزيت تطلب مثلكم
وأجوركم فيها أجور وافيه
فأجبتهم مهما يكن من أمرها
انأ لن أسافر للبلاد النائية
مالي وللبترول في صحرائها
ﻻ مال يعدل صحتي والعافيه
أنا ابن مصر ومصر أمي..إنني
أهوى هواها والربي والساقيه
ﻻ أستطيع فراقها يا إخوتي
وعلي أن أرعى حقوق بلاديه
بلدي وإن جف الحنان بضرعها
فالنيل يسعفها بماء صافيه
إني لأقنع بالقليل ترفعا
لأظل في أحضان مصر الدافيه
إن اللقيمات الحلال بأرضها حسبي
وﻻ أبغي امتلاء الحاشيه
أنا طائر الكروان فوق ربوعها
أشدو فهل فهم الحضور غنائيه؟
أنا لن أجوع إذا بقيت بأرضها
فهي الرؤوم على بنيها حانيه
ﻻ لن يضام على ثراها عامل
بذل الجهود لخير أم راعيه
فالله قد ربط القناعة بالرضا
لتظل أنفس خلقه متساويه
حاورته: الأديبة لما عبدالله كربجها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.