قراءة في "ربيع العمر"
الدّيوان الشّعري
الأوّل للشّاعرة التّونسيّة عفاف السمعلي
للشّاعر والنّاقد
العراقيّ علاء الأديب
الجزء الأوّل
بكلَّ ثقة بالنّفس
وإقدام... وضعت بصمتهــا على جبين الزّمن... بصمة تمثّلت بمجموعتها الشّعريّة الفتيّه
الأنيقة الوديعة .(ربيع العمر) باكورة أعمال قد اختصرت أشوطاً طويلة من مسيرتها الشّعريّة.الّتي قد
بدأت في مراحل صباها الأوّل من بعد أن تحوّلت اللّوحة الزّيتيّة الّتي رسمتها على جدار
معهدها آنذاك إلى رغبة جامحة للرّسم بالكلمات.
كان الطموحُ
مركبها... والأماني شراعها... والثّقة بالنّفسِ كانت الرّيح الّتي قادت المركب إلى
مرفأ الكلمة الأنيقة المشبعة بالإحساس المفرط بحبال اللّوحةِ الّتي تحوّلت من كلّ الألوان
إلى لونٍ قد اجتمعت بهِ كلّ جماليّات هذه الألوان.
لم يكن الحبّ
غائباَ في هذا المشهد أبدا... فقد كان كأجراس
الميلاد الّتي أذنت لكلّ هذا أن يكون. فحبّ الصّبا لا يمكن إلاّ أن يكون منادياَ مجاباً
نداءه...
ورغم أنّ ذلك
المركب السّاري قد قطع مسافاتٍ ومسافات في خضمّ قد تسابقت فيه المراكب وتصارعت فيه
الرّؤى والأفكار والطّموحات لعديد من ركبوه إلاّ أنّها قد استطاعت بزمن قياسيًّ أن تختار لنفسها من بين كلّ هذهِ المراكب سبيلا غير
كلَّ السبل وهدفا غير كلّ هذه الأهداف. ولم يكن ذلك الاختيار محضُ صدفةٍ أبداَ .فقد
كان لكينونةِ الذّات عند عفاف السمعلي الشّخصية...
وآفاق التّطلع
وحدّة البصر وعمق البصيرة. ما قادها إلى ذلك الاختيار الهادف المرموق .
فكانت البداية وللبداية حكايتها... والحكاية هنا مختلفةٌ... الحكاية هنا حكاية حرفٍ... ومدادٍ...
وورقة
أعلنوا الولادة
الجديدة لشاعرةٍ نقشت الكلم نقشاَ... ولم تكتبه كتابةً... وعزفت اللّحن خلجات نفسٍ
ولم تعزفها على وتر. وجعلت القصيدة لوحة رسمت
بريشة فنّان خلق من مداد قلم واحد واحدٍ جمهرة من الألوان... قد استمدّت من الشّخوص
والطّقوس والتأريخ والحضارة والأسطورة امتدادا بين نقطتين تمثّل الأولى لحظة الحدث
والأخرى عمق الحدث ذاته في جوف ذاكرة الزّمن بكلّ امتداد التأريخ.
كانت للبداية
حكاية مداعبةٍ رائقةٍ مع أولى قصائد ( ربيع
العمر ).
فيبدأ الحرف
بالانسكاب بين ثنايا الورق رقراقاً كأنّه زلال ماء ينبثق من عين فجرت ينبوع رقةٍ .
مُعلناً بأنه سيحلًّ محلّ الكلام المعتاد نطقاً، ليقول ما يعجز عنه لسان الشاعرة فــ.... ( حتى لو انتهى الكلام حبيبي .. سأظلُّ استجدي من أحرفِ العشق أبهى
قلائد تزيِّنُ صدري ).
بهذا الاستهلال
الرّومانسي العميق المغرق بالرقّةِ تلج الشّاعرة مملكة الشّعر بقصيدة ( حبيبي ) الّتي تصدّرت
( ربيع العمر )... ويظلُّ هذا الولوج مُتّسماً بالرّوعةِ بما فيه من معانٍ تكادُ أن
تكون أوسع افقأ... وأعذب معنى... وارقّ إحساسا من حروف يقولها اللّسان فتكون لها بدايةٌ
وتكون لها نهاية .
فهنا دخل الحرف
عالم السّرمديّة بين مواطنِ الجمال في قصيدة ( حبيبي ) فمن استجداء
الحرف من العشق إلى التقاط النّجوم من السّماء والقصائد لفرحٍ مؤجّل تحتجب بدفء الحبّ الخارق الّذي يخفي
في بياض الثّلج المستعار معنى للنّقاء والصّفاء حكم الدّهر القاسي .
وهنا يسمو المعنى
سموّ الإحساس وتألّق الكلمات ائتلاق الشّعور الذّاكي
( حتى وإن انتهى
الكلام حبيبي سأظلّ التقط من السّماءِ نجوماً... وقصائد فرحٍ مؤجل _ قصائد حبّ خارق .. يخفي في بياض الأبجديّه حكم القدر ).
هنا يكتنز الحرف
معنى الأمل مواجهاً ما يخبّئ القدر من قسوة أحكامه .
ولن تتوقّف الشّاعرة
عند هذا الحدّ من التّوظيف بحرفيّةٍ عاليةٍ بل إنّها ذهبت بعيداً عندما نسجت من خيوط
الشّمس دروباً لورودها الجميلة... وأحلامها النّاضجة بين رموش عينيها .
فحتّى لو انتهى
الكلام فإنّها ستظلّ تحبّه أكثر وأكثر وهنا كانت للأمنية سطوتها على المشاعر فلا يمكن
اغتيال الّتي تُولد من رحم الحزن وهي تورقُ في أحضان الوجد .
وإنّ أكثر ما
يلفت الانتباه هنا... ذلك الصّراع المرير بين أن يكون الحبّ حقيقة واقعة وحلماً مستعذباً...
وأملا مشروعاً تمكّنت الشّاعرة من تجسيده بصورة شعريّةٍ درامية توقِدُ إحساس القارئ
وتشعره بأنّه وسط هذا الخِضمّ من الصّراع.
ويستمرّ الحرف
معبّراً عن الأمل الّذي يعلن للحبيب بأنّ تساقط الشّاعرة في مواعيد المرائي أحيانا
لا يجب أن يخيفه لأنّها رسمت ذلك الحبيب على صفحات مآقيها وجعلت منه نقشاً فرعونياً
ووشما لا يمّحى من الذّاكرة في خضمّ بحور الشّعر وذلك الصراع المحتدم في الذّات.
وذكّرته بأنّهما
قد بَنَيا مملكة حبيبهما بناءً رصيناً لايمكن أن يتهاوى يوماً... وجعلا من القوافي
حرّاسا على أبواب هذه المملكة العتيدة. وكان هذا حديث حبيب لحبيب .
وسرعان ما تحوّلت
الشّاعرة إلى ذاتها مخاطبة إيّاها ( قد بحت لقلبي
بحبّكَ... فغازلني الأبهر ضاحكاً )
اتّسمت المخاطبة
بالرّوعة في تصوير حالة السموّ بهذا الحبّ الّذي يدور في محاور عدّة حول كلّ مراكز
الإحساس المتمثّلة بين ذات الذّات... والذّاتِ المنشودة في الحبيب عند المحبوب.
وبين هذا وذاك
يضطرب قلب الحرف من شدّة العشق الجميل فيُغلب الصّمت ويخبو الكلام في حضرة العشق فينطلق
الدّمعُ معبّراً عن خلجات قلب فيكون الصّمت الدّامع أحرفا تردّدُ ( أحبّك... أحبّك ) .
لمسات ولمحات
وسمات المشهد المسرحيّ تزيح هنا عن وجهها السّتار لتُعلن إنّ من سَطًّر هذه الحروف
قد تأثّر تأثّراً كبيراً بالأدب المسرحيّ.
لقد كانت لقصيدة
( حبيبي ) سمات قصيدة النّثر المعبّرة عن واسعِ الفحوى بالحرفِ المختزل للرّوعة
بإتقان.
وكان لاستخدام
عناصر الطّبيعة الأثر الكبير في تجسيد هويّة النّصّ على أنّه قصيدة نثر فحضور النّجم
والشّمس وخيوط الفجر والصّخر وكذلك حضور التّـأريخ من خلال النّقش الفرعونيّ رمزاً
تاريخيّـا بليغاً .
قد أشار إلى
تلك الهويّة وأكدها. وكان للاختزال ما كان من دور كبير في تحديد لون وشكل النصّ سيّما
وأنّه كان اختزالاَ موفّقاً في الكثير من مواطنِ
القصيدة ( أحلاما تنضج بين الرموش ) ،(
من يقدر على اغتيال أمنيةٍ )،
( أمنية ولدت
من حِمم الأحزان )، ( جعلتك نقشاً فرعونياً )، ( غازلني الابهر ضاحكاً )، ( ما أجمل الصمت حين يداعب
أحرفنا )
وليس خافياً
على القارئ بلاغة الصّورة فيما تقدّم ممّا اخترناه بين الأقواس الّذي أعطى القصيدة
فوق ما اتّصفت به من الرّوعه .
وعلى الرّغم
من كلّ صور الجمال في هذه القصيدة البشريّة إلاّ أنّها بقيت بحاجة إلى الأسطورة الّتي
كان يمكن من خلالها أن تكتمل روعتها إلاّ أنّ للشّاعر ما ليس للقارئ من نظرة في نصوصه
.
وتستمرّ حكاية
عفاف بربيع عمرها... ونستمرّ معها آملين أن تحطّ سفينتنا على ميناءٍ آخر من موانئ ربيع
العمر لنكتشف الجديد ونكون قد أدركنا وإيّاكم ما نريد.
~علاء حسين ألأديب بغداد~
10/11/2012
ديوان ربيع العمر، للشّاعرة التّونسيّة: عفاف السمعلي |
شكري وتقديري لأدارة النادي والقائمين على نشر المواضيع هنا لنا يبذلوه من جهود خيرة لأعمام الأدب العربي قي أيّ مكان من الوطن ..بركتم..وشكرا للصادقين حيثما كانوا .
ردحذفعلاء الأديب
بغداد
هطل المطر حقول قمح وبساتين فل جعل لربيع العمر طعم الكوثر ...أسعدتني جدااا هذه القراءة الانيقة لديواني فألف شكر للشاعر الالق الناقد علاء حسين الاديب ....اجمل التحايا والورد
ردحذفعفاف السمعلي
.
ردحذفHassanien El-Sayed الشاعرة /عفاف محمد السمعلى
هنيئاً لك بابداعاتك الرائعة ؛ وهنيئاً لنا بالابحار فى عالم لغتك الشاعرة ؛ وهنيئاً مرة أخرى .. لمواكبة الحركةالنقدية للابداع ؛ وهو شىء رائع وهام؛ بالنسبة للساحة الثقافية فى أى مكان .
ولقد كان جيلى سعيد الحظ ؛ بتواجد كوكبة رائعة من النقاد العظام امثال الأساتذة ( مع احترامنا للألقاب ) :/محمد مندور/على الراعى/عبد الوهاب القط/على شلش /عبد الحميد يونس .... الخ تلك النخبة الرائعة ؛ التى تثرى الوجدان الشعبى العربى .
شكراً للناقد العراقى الأديب /عــلاء الأديب .. على تلك الاطلالة ؛ على ابداعات شاعرتنا الرقيقة الأستاذة/عفاف محمد السمعلى ؛
وتمنيات طيبة بمزيد من الرسم بالكلمات ؛ التى تحمل كل الوان قوس قزح المعانى الرائعة .
تحياتى سيدتى .. وصباح الياسمين
شكرااا للشاعر الالق الاستاذ حسنين السيد حسنين أسعدني حضورك ...عيدك سعيد وكل عام وحضرتك بالف خير
ردحذفعفاف السمعلي