دراسة قصيدتيْن
من شعر: أحمد بنميمون،،، بقلم : عبدالجبار العلمي
1 ـ القصيدة الأولى
تحتفي القصيدتان بفضاءين أثيرين لدى الشّاعر :
أ ـ فضاء المعهد الّذي تعلّم فيه أبجديّات العلم والمعرفة، فأضحى يبصر بجلاء جمال العالم، ويمسك سرّه في يده. ففيه أخذت يده تخطّ حروف الإبداع الأولى. إنه فضاء الطّفولة البريئة الّتي تجري في ربوعها الرّياح بما تشتهيه سفن الأحلام. لقد تلقّن في معهده لغتين، واطّلع على شعر لوركا وماتشادو وميجيل دي أونامونو، وكلّهم من الشّعراء الإسبان الّذين كانت نصوصهم الشعريّة الرّائعة تدرس في معهده العتيد، كما أعجب بكتابات جبران لأنّه وجده مثله، ينشد البراءة والصّفاء والطّهر وجمال الطّبيعة، ويمتلئ أدبه بالخيال وسحر الكلمات. لذلك اتّخذه مثله وقدوته، وهو يلثغ بكلماته الأولى، ويستشرف أفاقاً أخرى للخلق الشعريّ حين يرشد ويشتدّ عوده.
ب ـ فضاء مدينة شفشاون: يتذكّر الشّاعر مدينته زمن الطّفولة أيّام كانت تتسربل بفستان الثّلج الأبيض ، فكأنّها عروس في ثياب عرسها، كما يتذكّرها أيّام كانت تخضرّ جبالها وأوديتها، فتغمر السّعادة قلبه البريء، لكنّ أسعد اللّحظات الّتي كان يحياها، هي الّتي كان يلوذ فيها إلى حضن جدّته، هارباً من الأمطار والزّمهرير في دروب المدينة، لكي يصغي بافتتان إلى حكاياتها العجيبة الّتي كانت تسردها بطريقة مشوّقة، تجعله مشدوداً إليها بأمراس الحكي الفاتن إلى أن تغمض جفونه وينام في وداعة.
إننا بإزاء جزء من سيرة ذاتيّة للشّاعر تمثّل مرحلة الطّفولة، يمكن أن تكون بداية كتابة سيرة ذاتيّة شعريّة يسجّل فيها الشّاعر جميع أطوار حياته شعراً. والمعروف أنّ للشّاعر تجربة لا يستهان بها في مجال كتابة المسرح الشعريّ ذي النّفس الطويل.
المعجم الشّعريّ في النّصين يمتح من حقول دلاليّة متعدّدة : الأمل والنّور والإبداع والبراءة واللّون والماء.
من شعر: أحمد بنميمون،،، بقلم : عبدالجبار العلمي
النّاقد والشّاعر المغربيّعبد الجبّار العلمي |
1 ـ القصيدة الأولى
رؤى أولى
دراسة قصيدتيْن
من شعر: أحمد بنميمون،،، بقلم : عبدالجبار العلمي
تحتفي القصيدتان بفضاءين أثيرين لدى الشّاعر : من شعر: أحمد بنميمون،،، بقلم : عبدالجبار العلمي
أ ـ فضاء المعهد الّذي تعلّم فيه أبجديّات العلم والمعرفة، فأضحى يبصر بجلاء جمال العالم، ويمسك سرّه في يده. ففيه أخذت يده تخطّ حروف الإبداع الأولى. إنه فضاء الطّفولة البريئة الّتي تجري في ربوعها الرّياح بما تشتهيه سفن الأحلام. لقد تلقّن في معهده لغتين، واطّلع على شعر لوركا وماتشادو وميجيل دي أونامونو، وكلّهم من الشّعراء الإسبان الّذين كانت نصوصهم الشعريّة الرّائعة تدرس في معهده العتيد، كما أعجب بكتابات جبران لأنّه وجده مثله، ينشد البراءة والصّفاء والطّهر وجمال الطّبيعة، ويمتلئ أدبه بالخيال وسحر الكلمات. لذلك اتّخذه مثله وقدوته، وهو يلثغ بكلماته الأولى، ويستشرف أفاقاً أخرى للخلق الشعريّ حين يرشد ويشتدّ عوده.
ب ـ فضاء مدينة شفشاون: يتذكّر الشّاعر مدينته زمن الطّفولة أيّام كانت تتسربل بفستان الثّلج الأبيض ، فكأنّها عروس في ثياب عرسها، كما يتذكّرها أيّام كانت تخضرّ جبالها وأوديتها، فتغمر السّعادة قلبه البريء، لكنّ أسعد اللّحظات الّتي كان يحياها، هي الّتي كان يلوذ فيها إلى حضن جدّته، هارباً من الأمطار والزّمهرير في دروب المدينة، لكي يصغي بافتتان إلى حكاياتها العجيبة الّتي كانت تسردها بطريقة مشوّقة، تجعله مشدوداً إليها بأمراس الحكي الفاتن إلى أن تغمض جفونه وينام في وداعة.
إننا بإزاء جزء من سيرة ذاتيّة للشّاعر تمثّل مرحلة الطّفولة، يمكن أن تكون بداية كتابة سيرة ذاتيّة شعريّة يسجّل فيها الشّاعر جميع أطوار حياته شعراً. والمعروف أنّ للشّاعر تجربة لا يستهان بها في مجال كتابة المسرح الشعريّ ذي النّفس الطويل.
المعجم الشّعريّ في النّصين يمتح من حقول دلاليّة متعدّدة : الأمل والنّور والإبداع والبراءة واللّون والماء.
وقد لاحظت من
خلال إحصاء الألفاظ المنتمية إلى الحقول الدّلاليّة المنوّه إليها، أنّ الحقل الدّلاليّ
المهيمن على النّصّ هو حقل الإبداع والكتابة: (قلمي ـ يخطّ ـ الحرف أحرف ـ الكلمات
ـ الإبداع ـ الخلق ـ أخيلة ـ الشّاعر ـ الفنّان ـ موقّعة ـ منثورة ـ أسطورة ـ
أناشيد ـ النّاي ـ يغنّيني ). هل يعني ذلك أنّ هاجس الإبداع كان يسكن الشّاعر منذ
طفولته ومرحلة تلمذته؟
ثمّة إشارات عديدة في القصيدتين تؤكّد دلالة
المعجم المهيمن: إعجابه بالشّعر لدى كبار شعراء الأدب الإسبانيّ وبكتابات جبران الّتي
تتميّز بالخيال المجنّح ـ كتابة محاولات على غرار ما يكتبه جبران ـ شغفه بفنّ
الحكي الّذي يتلقّاه من جدّته ـ إعجابه بصاحبه الفنّان ـ حبّه للغناء والأناشيد.
إنّ المعجم الشّعريّ المهيمن يوحي إلينا بأنّ الرّوح الّتي كانت تسكن الطّفل هي
روح الفنّ والخلق والإبداع.
تقوم القصيدة في بنائها على ما يسمّيه باوند وإيليوت بالصّوريّة، وتعني التّعبير عن الفكرة بالصّورة دون أن يسوق الشّاعر تقريراً ( انظر مدائن الوهم، عبد الواحد لؤلؤة، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2002، ص : 95). فالقصيدتان غنيّتان بالصّور الشّعريّة الماتحة من خيال خصب، نذكر منها على سبيل المثال الصّور الشّعريّة التّالية : " ورفرف بالجناح النّبض جارى الضّوء نحو الغد " / " يزيح ثقال صخر السدّ عن عيني وعن شفتي " / أبصر نور صبح جمال الكون ..أمسك سرّه في يد " / " أركب الأحلام عبر عناق ظل الورد " شددت بسردها المفتون في أمراس سرد " .
تتسربل القصيدتان بنفس قصصيّ، حيث يسرد الشّاعر فترة من حياته في معهده وفي مدينته، ونجد فيهما شخصيّات محورية: الطّفل والجدّة، وثانويّة: الأبوان القاطنان في الحيّ القريب من بيت الجدّة، وننصت إلى الحوار الدّاخليّ عند الشّخصيّة الرّئيسة ـ الطّفل : " ـ يوماً ما سأمضي في سماواتي "، وتتلو هذه الجملة ثلاثة أسطر فارغة يمكن ملؤها بما يمور بداخل الطّفل من خواطر داخليّة تعبّر عن طموحاته وأحلامه وتطلّعه إلى الأبعد في مجال الفنّ والإبداع الشّعريّ .
تقوم القصيدة في بنائها على ما يسمّيه باوند وإيليوت بالصّوريّة، وتعني التّعبير عن الفكرة بالصّورة دون أن يسوق الشّاعر تقريراً ( انظر مدائن الوهم، عبد الواحد لؤلؤة، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2002، ص : 95). فالقصيدتان غنيّتان بالصّور الشّعريّة الماتحة من خيال خصب، نذكر منها على سبيل المثال الصّور الشّعريّة التّالية : " ورفرف بالجناح النّبض جارى الضّوء نحو الغد " / " يزيح ثقال صخر السدّ عن عيني وعن شفتي " / أبصر نور صبح جمال الكون ..أمسك سرّه في يد " / " أركب الأحلام عبر عناق ظل الورد " شددت بسردها المفتون في أمراس سرد " .
تتسربل القصيدتان بنفس قصصيّ، حيث يسرد الشّاعر فترة من حياته في معهده وفي مدينته، ونجد فيهما شخصيّات محورية: الطّفل والجدّة، وثانويّة: الأبوان القاطنان في الحيّ القريب من بيت الجدّة، وننصت إلى الحوار الدّاخليّ عند الشّخصيّة الرّئيسة ـ الطّفل : " ـ يوماً ما سأمضي في سماواتي "، وتتلو هذه الجملة ثلاثة أسطر فارغة يمكن ملؤها بما يمور بداخل الطّفل من خواطر داخليّة تعبّر عن طموحاته وأحلامه وتطلّعه إلى الأبعد في مجال الفنّ والإبداع الشّعريّ .
هذا هو الشّعر
القريب إلى النّفس، لأنّه يصدر عن الذّات، ويعبّر عن أحاسيسها العميقة بأسلوب التّصوير
لا التّقرير، سهل المأخذ، ولكنّه سهل ممتنع، لا يجيد صياغته إلاّ المتمرّس باللّغة،
السّابر لأغوارها، العارف بأسرار بلاغتها، والمتمثّل لجمالها وموسيقاها، القابض
أبدأ على جمر الإبداع.
بقلم : عبدالجبار العلمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.