نادي الشّعر: أبو القاسم الشّابّي، تونس ~~ نادي الشّعر: أبو القاسم الشّابّي، تونس ~~ نادي الشّعر: أبو القاسم الشّابّي، تونس ~~
إنّ الشّعر كلامٌ راقٍ يصنعه الإنسان لتغيير مستوى الإنسان ~ نزار قباني ~ إنّ الشّعر كلام راقٍ يصنعه الإنسان لتغيير مستوى الإنسان ~نزار قباني ~

الخميس، 25 يوليو 2013

عبد الوهاب بوزقرّو و"روسبينا الملاحم/ ألفيّة المنستير"،،، شاعر تونسيّ يؤرخ لمدينته بـ1500 بيت شعر

شاعر تونسيّ يؤرخ لمدينته بـ1500 بيت شعر

عبد الوهاب بوزڤرّو/ رحمه الله

عبد الوهاب بوزڤرّو و"روسبينا الملاحم/ ألفيّة المنستير"
للشّاعر التّونسي عبد الوهاب بوزقرو ديوان صدر في 2008 وسمه بـ " روسبينا الملاحم / ألفيّة المنستير" سرد فيه تاريخ مدينة المنستير منذ العهد البربري و حتى فترة الاستعمار الفرنسي و المقاومة مرورا بالعهد الفينيقي و الإغريقي و تأسيس قرطاج و العهد الروماني و ظهور المسيحية و تأسيس الدولة الحفصية و الاحتلال الاسباني.
وجاء الكتاب في ما يقارب 1500 بيت من الشعر العمودي الكلاسيكيّ فحتى مقدّمة الديوان و الإهداء كانا شعرا يقول عبد الوهاب بوزقرو في الإهداء ديوانه :
إلــى التـــي بقيت عبــــر العصور منـــا را للهدى، و بهـــا قد هـــام تفكيـــري
أهدي القريض و هل يجدي القريض إذا مـــا سيق فـــــي بلـــد مثل المنستيــر
لكنّني عـــــاجز ، و العــــدم أقعدنــــــي أنشدت بالرغم من عجزي و تقصيري
أمّا المقدمة فقد أرادها الشاعر غير عادية حيث ثبّتها في أربع و ثلاثين بيتا شعريّا جاءت وفيّة لتقاليد الشعر العربيّ القديم من وقوف على الأطلال و تذكر للحبيب و للوجد و حرقته في تمثّل واضح و مباشر للقصيد العربيّ التقليدي بناء و معنى، و عبد الوهاب بوزقرو سيتبع هذا الشكل في كل ردهات الديوان مواظبا على نفس البحر و نفس القافية و نفس النفس الشعري العاشق من أول بيت إلى آخر بيت. يقول في بداية المقدمة :

هل للصبابة حدّ في المقادير أم تلك شنشنة أجْلت سماديــري
لله من دنف، قد شفّــه كمـَد و القلب مشــــاعل جمرا بتنـور
ما بال حرقته لا تنطفي أبـدا كالغيظ من تِرة في صدر موتور
مازال داعية الأحزان يأخـذه إلى غليـل من الآلام مسعــــــور

و يواصل على نفس الوتيرة مستذكرا صبابته و حرقة العاشق فيه :

إنّ الصبابـــة داء النفس مــذّ خلقت هل من دواء؟ و قد حُمّت مقاديري
من لـــــي بجارية أعكانــــــها خُلج تختــال من غيد فـي رقة الحــــور
لا الأفق يسحرها ، لا البحر يغمرها لا الفجر يبهرها من بَعــد ديجـــور
جاؤوا يلومونه فـــي حبّها فـــرأوا من عشقها نُطفا في عين مبهـــور

و يختتم مقدمته بأبيات حكمية على عادة الشعر الكلاسيكي، حيث يقول :

لا الشيب يردعنــي عـن حبّـها أبدا ما سِتر موْجدتي في مشرق النـــور
يا نفس! في حبها جدّي و لا تهني في نشر أمجادها، في عشقها سيري
لا خير في الحب إن كـــانت نهايته فــي مطلع الشيب، أو إحداث تطويـر

أول فترة زمنية تعرض لها الديوان / الوثيقة هي العهد البربريّ حيث يستهلّ عبد الوهاب بوزقرو هذه المرحلة بهذه الأبيات :

قم صاح و انشد معي فخر المنستير رأس المغاور بل غار المغاويـر
فخرا به طرب الأنـــــــام مذ ظهرت آثاره تبعا في شِعب " تنيـــر"
تثـــــري رصيدا كـــان مــــن زمــن شغل الأساتيذ في فهم الأحافير
حار الأولى درسوا تاريخها ما الذي تخفيه آثارها من دارس الـدور

و هكذا ينطلق الشاعر في تخصيص جزء من ديوانه لكل حقبة تاريخية على حدة، حيث يسافر بالقارئ إلى أعماق التاريخ، يقول الشاعر في الفترة القيصرية للمدينة :

يا أيها الروم " روسبينا " مدينتكـــم إن عزّها " قيصر " مجد القياصير
فقد أقـــامت لكـــــــــم فخرا بنصرتها إذ ألبست " قيصرا " تاج الأباطيـر
"
يوليوس" لم يكن الأولى بنصرتها لو لم تكن وثقت بالنصر و الخيــــر
و كان يمكنها نصر الخصــــــوم، فقد عزّت بموقعهــا علـــــى المغاويـــر

و يرحل الشاعر بقارئه إلى تخوم اللغة، فالكتاب علاوة على أنه رحيل بين مراحل زمنية عديدة و متنوعة هو أيضا سفر مفعم بالإغراء في سجلاّت اللغة العربية و دروبها، فالديوان يكشف لنا تمكّن الشاعر من اللغة العربية بل و تمهّرها عليها و تلاعبه برسمها و صرفها و نحوها و تراكيبها و مجازاتها...
قاموسه اللغوي مفتوح على ما لا نهاية له، فتكاد و أنت تقرأ ديوانه أمام كاتب موسوعيّ اللغة و لو لا الحواشي في آخر كلّ صفحة لوجب جلب لسان العرب حتى يفقه القارئ بعض ما تخفّى بين ظلال هذه الكلمة أو تلك.
يقول الشاعر في القسم المخصص للدولة الحسينية و هي من الفترات المهمة في التاريخ التونسي، و هنا يرصد الشاعر ما لقيته المدينة من عناية و تطور و ازدهار في كلّ المجالات:

كفى المنستير فخرا أنهـــا دعمت بفكرها دولة في الأعصر القـور
أرسى دعائمها الأبنــاء فانتشرت أخبارها بالرضا في كلّ معمــور
فوسّعوا ربضها فامتد، و اتسعت و ازداد عمرانها، يا خير تعميـر
أبوابهـــا بلغت عـــــدّا ثمانيـــــة كي تغتذي جنّة تحتال بالحــــور
راجت صناعتها في غير موطنها و جاب صنّاعها أقصى المعامير
من صنع أسلحة بالبرج، أو شبك للصيد أو سفن شتّى المقاديــــر
أثاثها أصبحت فخرا حيازتــــــــه أو صنع أبوابها من حسن تنجير
أسواقهـــــــا ازدهرت بكلّ مبتكر من صنع أبنائهـا الغرّ المباكيـــر

و يواصل في تعداد أوجه التطور و الازدهار الحضاري ليلامس الشاعر بكلماته و قوافيه كل جوانب الحياة اليوميّة للمنستير في العصر الدولة الحسينية، إذ يقول :

ميناؤهـــا لم يزل ترسو به سفــــن تغــــــدو محمّلة منه بتصديــــــر
زيتـا و ملحــا و حلفـــاء مصنّعــــة و غير مصنوعة أو نصف تحضير
لكلّ شــيء أميـــن للرقابــــة و التجــــويد فـــي صُنعه مثــل البناديـــــــــــر
في البحر كم سفن بالحاجّ قد مخرت يسعون فـي عمل بالحجّ مبــــرور


في خاتمة الديوان الذي ضمّنه صاحبه عددا من الصور النادرة لمدينة المنستير يعود أغلبها لبداية القرن الماضي يزداد حبه و تعلّقه بمن أحب و أذاقته مرارة الصبابة و الوجد فيقول :

فـــــي حبّ من تيّمت قلبــــي بنضرتهـــا لم أجن إلاّ خيالات السماديـــــــــر
فـــي قربهـــا نصب، فــي بعدهـــــا تعب فــــي حبّها عجب فوق التعابيـــر
عمري انقضى و مضى لم أجن فيه رضا غير الحنين إذ جنّت دياجيــــــري
و الحب لو وصف العشـــــــاق مــا بلغوا بعض الذي قد سبا لبّي و تفكيري
لولا الأولى سبقوا قد شــــــــــاع ذكرهم فــي الحبّ، كنت أنا أولى المذاكير
إنــــــّي عشقت التي مـــــــازال يأسرنـي في عشقها دنف رغم التباخيــــــر
إن كنت متّهمـــــا فــــي عشق غانيـــــة فإنها لم تكن غير المنستيـــــــــــر

*********
*
روسبينا: هو الاسم القديم لمدينة المنستير الواقعة في الساحل التونسي.
منقول عن مدوّنة المرافئ

عبد الوهاب بوزڤرّو/ رحمه الله


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

free counters