الجازية
الهلاليّة
إنّي وقفتُ
بين كلّ الّذين تسابقُوا
عندما إليها وَصلُوا
سَعَتْ إليّ...
*****
الجازية
ولئن لم تلتقِ البحرَ
يوما
إلاّ أنها ظلّتْ من بعيدٍ تراهُ
بَدْؤُهُ مَداهُ...
مراكبُ تمضي
وتبقي الضّفافُ
تخافُ...
إلى عُشِّهِ، عند الرّبيع
لايعودُ الخُطافُ
مع الرّيحِ
ريحِ الصَّبَا والصّبَابَاتِ
يأتي الهُتافُ:
بُـنَيَّ
- وما أعذبَ صوت أمّي-
شَذَى المِسكِ
عندما يَلْمَسُني منها اللِّحافُ
تَشدُّني وتقول:
ليكنْ قلبُك مثلَ الرّحى
أو كصخرِ الوادي
إنْ نَـقَرَهُ الماء
لا تجرفُهُ السُّيولُ
*****
وتقولُ :
هُوَ السّيلُ، سيلُ الأماني تهادَى
كَمِثْلِ البِحارِ وَفاقَ الطِّوَادَا
ستمضي خُطاكَ على الجَمرِ، ثمّ
كأنّي أراها تلاشَتْ رمادَا
فحلّقْ بُنَيَّ
كطيرِ الفلاةِ
و سِرْ في الحياةِ
بِلادًا... بلادًا
هُوَ الكونُ مِلْءُ جناحيكَ نُورًا
تجلّى لمن في هواه تَمادَى
وإيّاكَ مِن شَعرها الجازية
لَأَنْتَ جَموحُ
تُحبُّ العنادَا
فمن وقتها خَـبَّلـتـني بِحُسْنٍ
وَمَنْ يَعْشَقُ الْحُسْنَ
يَنْسَ اَلرَّشادَا
*****
لَسَوْفَ يُسْرجُ إليها الجَوادَا...
*****
( سبع حمامات طاروا
وحطّوا على واد قابس
فيهم حمامه بيضا
ما ضاقت الماء من آمس
و تـَـرّاسْ لَاحِقْ صبّية
عطشان والرّيق يابس )
*****
ظمآن.. ظمآن
و وَحْدَهُ
يسعَى إليها دون سواها
فيه تسعٌ وتسعون طعنةً
من خيل بني هلال
ما فيهنّ واحدةٌ أخطأت قلبه
لم يمُت مرّة
ولا كَبَا به الجوادُ عثرةً
هو العاشقُ منذ مئة عام
ينتظر
ذات ليلة بعد طول المدى
ستلقاه... ويلقاها
فتسبقه إليه
يداها
*****
( إِلّي ضيّعْ ذَهب
في سُوق الذّهب يراه
إِلّي ضيّع مُحب
يفوت عام و ينساه
لكن إِلّي ضيّع وطن
وينْ... الوطن يلقاه ؟ )
*****
... ومضى في طريق خالية
من نَجْعٍ إلى نجعٍ
كأنّــه يَجْذِبُهُ خيطٌ
من شَعر الجازيه
*****
أخبَرُوه عن عينيها
النّجمتينِ
في ليلٍ داجِ
أخبروه عن شفتيها
الجمرتينِ
من موقدٍ وهّاجِ
حدّثوه عن يديها
النّاعمتينِ
كمثل الدِّيباجِ
حدّثوه عن قدّها
المائسِ
ولكن من زجاجِ
فلا كَمِثْلِ الجازيةِ
مُنيرةِ من غيرِ سراجِ
*****
ذاتَ صباحْ
وَلْوَلَتِ الإبلُ في البطاحْ
دَقَّ الطّبلُ
فاجتمعتِ الجحافلُ حول الجازيه
تساءل العُربانُ ثمّ تنادَوْا
الرّحيل ... الرّحيل...
عندئذ برزت لهم الجازية من هودجها
ونادت:
- يا قوم
من هو السّيد في الرّجال؟
هَمْهَمَ الجَمْعُ
ثمّ هاجَ وماجَ
حتّي أسرع نجعُ بني هلال
نحو الهودج وقال قائل:
- هو المُتقدّم بين الصّفوف
والغالبُ في النّزال
ثمّ تقدّم نجعُ بني سليم
وقال قائل:
- هو الّذي إذا وعد وفَى
وعند العطاء كريم
و لاح نجعُ بني رياح
وقال قائل:
هو الّذي يعرف السّيوف
وتعرفه الرّماح
ثم ّقال شيخُ بني دريدْ
- هو الّذي إذا سكت اِعتبر
وإذا تكلّم يُفيد
*****
وذات صباح آخر
بعد الرّحيل بسبعة أيّام
اِجتمعتِ الصّبايا حول الجازيه
عند عين الوادي
وبينما هنّ في الماء والمرح
أَبصرنَها وقد أرسلتِ الظّلام
على الضّياء
فقالت لهنّ في غَنج:
- هل فيكنّ التي تصف أحسن النّساء ؟
عندئذ اِنبرت حسناء
من بنات هلال
وقالت:
- هي ذاتُ الحسب والنّسب
والّتي على خدّها خال
فقالت خريدةٌ من بنات سليم:
- هِيَ الودُودُ الوَلُودُ
وعينُها كعين الرّيم
ثمّ قالت غادةٌ من بنات رياح:
- هي السّمراء كالمسك
والبيضاء كنور الصّباح
وقتئذ قالت أجمل الجميلات من بنات دريدْ:
- هي الّتي إن رأيتَها كلّ يوم
تَرَها الحُسن تزيدْ
فالتفتت الجازية إلى الصّبايا
وغنّت :
( لا يعجبك نوّار دفله
في الواد عامل ظلايل
ولا يعجبك زين طفله
حتّى تشوف الفعايل...)
*****
هِيَ الحُسنُ في سحرِها العَجَبُ
فَلَوْ بَسَمَتْ يُجْرَحُ العـنبُ
ولو حَادثـتْها الفيافي بصوتٍ
جرى سَلسَبِيلٌ كَما الخببُ
إذا ما مَشَتْ نَوّرَ الغصنُ شوقًا
فأُحْرِقَ دَربي هِيَ اللّـهبُ
*****
الجازيه
من المشرق إلى المغرب
مع النّجع راحله
و هودجُها يَخُبُّ من بادية
إلى بادية
في طريقٍ وعرةٍ طويلةٍ
لاويه
مرّةً من عاليه
مرّة في هاويه
يـَتَّبِعُ أَيَّ أثر يدلُّ عليها
يُسائل الرّائحَ والغادي
في البوادي يُنادي:
جازيه..
جازيه... يا جازيه...
( ساعاتْ
عِندي سَبْعَ لْسَانَاتْ
وما عندي فَمْ
ساعاتْ
نتكلّمْ سَبْعَ لُغاتْ
لكنْ واحدْ ما فهمْ
ساعاتْ
نْشَعِّل صْوابعي شمعاتْ
وليلي فحمْ
ساعاتْ
تتمضّى سكّيناتْ
آنا لحمْ
نعوم بين مُوجاتْ
بحري دمْ
ساعاتْ
نقولْ الدّنيا وْفاتْ
من الصّاحب والعمْ
يا ما ليلاتْ
في الخلا نْباتْ
إذا لزمْ
مع النّجومْ
نبكي بلا دمعاتْ
وتشفوني... نـتـبـسّمْ )
*****
عندما اللّيل سجا
أشاحت عن خيمتها
لترى النّجوم وتراقب الجوزاء
لا أحد في برج الأسد
ولا ماء في الدّلاء
اللّيلة إنّها ليلته
من بعيد هو ذا خياله
تحت القمر... هي ذي ظلاله
شهقت الجازيه
هو .. لا .. هو.. لا...
بل هو الّذي كما تنتظر...
أوصافه مثلما رسمتها العرّافة
اللّيلة ميعادُه
وبالحقيقة تنتهي الخرافة
(كان الكلام من فضّه
يكون السّكات ذهب)
فأنتَ
ومَن تُحِبْ
*****
أسدلت شعرها...
فقرأت قِصّي في قُصَّتها
وهمست لي باللّسان المليح:
- ( لو كان يديرو الجنّة
في مداسي
اقدامي تجيبك حفايا
لو كان يصبّو المطر
في كاسي
عطشانة أنت روايا
لو كان يحطّو اللّيل
على رأسي
نجومك يشعلو ضوّايا
لو كان ينسجو من الذّهب
لباسي
نشوفك هو هنايا
زيّك مثل أنفاسي
أنت ديما
معايا )
ثمّ أنشدتْ باللّسان الفصيح.:
أنتَ الحبيبُ فيضُهُ نورٌ
قلي وقد دعـــــــــــاك مولايا
أَوْصيتُـه قلي من العشق
يا ويحَهُ مِن تَرْكِ وصايــــــــا
أنتَ الحبيـــــــــــبُ قُربُهُ منّي
في الرّوح لآيــــــــــــــــــــــــــــــــــــاته
آيا
مشكاتُه لاحت فأبصرت
نورا علــــى نور و مرايا...
*****
ومثل
ستائر الحرير
أسبلتْ الجناحَ عليّ فقلت:
أيُّ الطّرقات أوصلتك من المشرق
ومن أيّ فجاج عَبَرْتِ التّخوم
إلى المغرب
حتّى بلغت هذا المنتهى؟
الوطنُ وطني قالت
منذ سابق الزّمان
من الأمازيغ إلى كنعان... الأرض أوطانٌ في
أوطان
لبني الإنسان
فلو أبحرت علّيسةُ أكثر
عَبْرَ السّواحل
ولو ولج حنّبعل وعُقبة
أو حسّان بن النّعمان
خطوة أخرى
كنّا فتحنا بحر الظّلمات...
فلماذا أحرقتَ يا طارق
تلك الزّوارق
فقّد جاءنا بعدك الإفرنجُ
هَوْجًا بعده هوجُ
كاد يغرقنا الموجُ
*****
( ناري على جرجيس
وبناويتا
دخلو النّصاري
وهدّمو
زاويتا )
*****
ليلتَها لَمستني بأناملَ
كأنّهنّ ريشُ الحمام
جَنَّحْتُ عاليا... وبعيدا
وانتفضتُ من الحُطام
*****
أنا الفِينِيقُ:
طائرٌ يرنوُ الجناحَ
جمرةٌ وهو الحريقُ
صاعدّا شقّ الفضاء
قد عَلَا الرّيشَ البريقُ
كُلّما غارتْ نجومٌ
لاحَ في اللّيل الشّروقُ
*****
أَفقتُ
عندما دقّتِ الشّمسُ عيني
راعني فراغُ المكان
وخواءُ الزّمان
لا الخيمةُ
لا السّتائرُ
لا الأُسُسُ
لا العشائرُ
لا الخيلُ
لا الإبل
ولا العسسُ
ولا الجازيه
(وساق نجعك ساق
وخشّو الفيافي
وينْ رحلو بيك
يا الزّين الصّافي ؟)
*****
كيف اِنفرطت من بين أصابعي
تلك الضّفائر
وهي الّتي كانت:
الآن و هنا ؟
وأنا...
وَحدي على ريح النّوى أَخُو سَفَرٍ
أَطوي على خاَفِقِي شَوقا وشُطآنا
مضى الّذين نُحّبهم على عجل
وبعدما شّيدوا في القلب أوطانا
*****
هي الوقتُ
كنتُ كَمن هوى في الجُبّ
سبعين ذراعا
من عميق السُّبات
كيف أُمسك بصوتها الخّفاق
كيف ألمس أريجها الرّقراق
هي الّتي عَقدت على خِنْصَري
خاتمًا
من شعرها
وحول عنقي ضَفَرتْ قلاده
لذكرى ليلة
وشهاده
*****
إذا ضاع في الرّحلة السّبيل
هي الدّليل
من بلاد الحجاز
إلى بلاد النّيل
ومن برّ فزّان
إلى القيروان
*****
حَلَّتْ فقلتُ أهلاَ
يا مرحباً وسهلاَ
الشّمسُ لو رأتها
صار الشّعاعُ ظلا َّ
للّـــــــــــه مِنْ قَوامٍ
كالرّوض فاحَ فُلاَّ
والجنتـــــــــان وردٌ
العطرُ منه هـَـــــــلَّا
قل إنّها الجمــــالُ
والثّغرُ ذاك أحـــــلَى
والوجهُ مثلُ بدرٍ
في اللّيل قد تجلَّى
أمّا الجبينُ نُـــــورٌ
ما أطهرَ المُصلَّى
والشَّعرُ في اِنسيابٍ
مُهَفْهَفٌ تـــدلَّى
قلبي دَعته عيــنٌ
فطار نحو أَعْلَى
ما أَبعدَ الحبيبَ
في القيروان حَلَّ
*****
( ضحضاح يا مُوسعه مِن قفاره
يصعب على راكبين المهاره
ضحضاح لا يقطعاش عبد ساير
بين الوطا والسّما دخان داير
ضحضاح ما يقطعاش الفرس
غمامه دهس
لونه ولون الوطا
فرد نصّ )
*****
مهلاً يا قوم... قالت الجازيه:
أَمَا تنظرون وراء الهضاب
إلى داكن السّحاب
قالوا : بلى
فأشارت بإصبع الحنّاء
و أشاحت عن وجهها و قالت :
هُنالك في المدى
تُونسُ الخضراء
فيا يونسْ
دُونكَ تونسْ !
و غنّت :
في تونسَ الخضراءِ لاحتْ قُصورُ
أبراجُ عزٍّ في الأعَالي صقورُ
كالصّخرةِ الصّماء فوق الجبال
ما فَلّها الرّومانُ ولا الدّهورُ
تلك القلاع للأماريغ وكرٌ
في سفحها لمن غزوهم قبورُ
بيتٌ على بيت بفجّ الشّعاب
يأوي إليها النّجع أو يستجيرُ
سَيّانَ في كل الزّمان نراهم
فالكفّ جود والوجوه بدورُ
من كلّ شِعب ، مِن على كلّ سُورٍ
نادت إلينا: يا هَلَا و سُرورُ
*****
هُمُ الأمازيغُ بنو عمّنا
إلى إفريقّيةَ سَبَقُوا
صِلاتٌ بيننا منذ عصور
وأحقاب
من بابل إلى نابل
من مَجْرَدَه إلى بَـرَدَه
من حُلوان إلى تَطْوان
من نابُلس إلى طرابُلس
ومن المهديّة إلى الإسكندريّة
تونس عربيّة
إنها تونس الأنس
ملتقي الأحباب
بالسّلام ندخلها
لا بالحراب
عندئذ قال يونس:
تونس
أبوابٌ في أبواب :
- باب البحر
يسهر إلى الفجر
- باب الجزيرة
أرضه مطيرة
- باب الجديد
حرّاسُه صناديد
- باب المناره
أسواق وتجاره
- باب القصبه
للسّلطان وما كسبه
- باب البنات
خذني... وهات
- باب سويقه
ما عرفتُ طريقه
- باب سعدون
يا جمال العيون
- باب قرطاج
ندخل منه
أفواجا ... أفواج
*****
الجازيه
ومرّت فتاقت إليها النّفوس
عروسٌ، وما شابهتها عروس
بعين لها إن رمتها وثغر
له مبسم منه لاحت شموس
وخالٍ هو المسك قد فاح عطرا
فَمِن حُسنها كم سقتني كؤوس
لئن ليلة القدر قد صادفتني
تمنّيت فيها وأنّي العريس
معا نقطف اللّيل نجمًا ونجما
وحيدين إلاّ هوانا أنيس
يدثّرنا الحبّ شوقا، وإني
لباس لها، وهي منّي لبوس
*****
وآخر ما غنّت الجازيه:
يا حاديَ النّجع عَجِّلْ
واِرحَلْ إذا القوم حَطُّوا
تَرْحــــالُنا من قـــديــم
لا نُـــــوقفُ الخيلَ... قَطُّ
يا مُهرةَ الرّيح هــــــيَّا
فالقلب دومــــــــــا يـَــنـُــــــطُّ
*****
ثـــمّ اِمتطت مُهرتَها
وطارت...
طارت إلى الجنوبْ
اِخضرّت الدّروبْ
طارت إلى الشّمالْ
من روعة الجمالْ
طارت نحو الشّرقِ
على جناح البرقِ
طارت صوب الغربِ
في زينة العُــرْبِ
طارت فوق السّواحلْ
يا نجعَها الرّاحلْ
طارت على الأمصارْ
بالخصب والأمطارْ
*****
( شعر هاف
على الأكتاف
جاني أُفّاحه
مشية حمام
طار الحمام
وخلّاني نحوّم على مطراحه....)
ملاحظة :
الوارد بين قوسين
أغان وأمثال شعبية تونسية وعربية
سوف عبيد
الشّاعر: سوف عبيد |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.