نادي الشّعر: أبو القاسم الشّابّي، تونس ~~ نادي الشّعر: أبو القاسم الشّابّي، تونس ~~ نادي الشّعر: أبو القاسم الشّابّي، تونس ~~
إنّ الشّعر كلامٌ راقٍ يصنعه الإنسان لتغيير مستوى الإنسان ~ نزار قباني ~ إنّ الشّعر كلام راقٍ يصنعه الإنسان لتغيير مستوى الإنسان ~نزار قباني ~

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

الأكاديمي والمخرج المسرحي ياسر البراك رئيس اتّحاد الأدباء والكتاب في محافظة ذي قار وعلي الغزي في حوار خاصّ



الأكاديمي والمخرج المسرحي ياسر البراك
رئيس اتّحاد الأدباء والكتاب في محافظة ذي قار
وعلي الغزي في حوار خاصّ


من مدينة الحرف الأوّل أور السومرية مدينة شبعاد التي عزفت أوّل لحن للحبّ والسلام من المسرح السومري الذي أرسى قواعده الملك شولكي ليكون الركيزة الأولى في الوعي الثقافي لحضارتنا الأولى و من بيئة الوجع الجنوبي مسقط رأس الكون كان صوته حرفا كونيا انصهر مع أوّل صيرورة لخريطة الوجود. تفاعل قدرا مع لحظات حلمه لتبزغ من ملامح رمزية الجهاد،رمزية المقاومة والرفض، من هذه المساحة تحرّكت قدماه نحو قدرية وطن مغتصب محاولا فكّ الحصار عنه بالكلمة والحركة من خلال المسرح،وقلبه موزّع إلى أشلاء بين وطن ما زال يئنّ من الاغتصاب وبين فقراء ما زالوا في بلد البترول فقراء وأيتام وأرامل ومطلقات وشباب عاطلين عن العمل مترجما ذلك في أعماله المسرحية .
وضيفي ياسر البراك رئيس اتحاد الأدباء والكتاب وهو مخرج مسرحي وناقد أدبي سليل ثقافة لها عمق تاريخي حيث تصفّحنا أوراق مسيرته في لحظة وجع فكان مخاضا موجعا خرجنا منه بهذا الحوار الشامل .

س1.. تجاوزا للسؤال التقليدي عن البطاقة الشخصية، بماذا تقدّم نفسك للقارئ الكريم أو المتلقّي ؟ 

* أعتقد أنه من الصعب على المرء أن يتحدّث عن نفسه لأنه لن يستطيع أن يتجاوز حدود الأنا، ولكن يمكن القول إنّ هذه الأنا تتشظى في هيئة أفعال أو أعمال أو منجزات يمكن الحديث عنها بحيادية تامة لعلّ في مقدّمتها القول بأنني رجل مسرح ولد في الناصرية عام 1968 ونشأ ضمن مجتمع كانت فيه البساطة وحبّ التعلم حدّاً فاصلاً بين حقبتين زمنيتين هما أواخر الستينيات والسبعينيات بما معروف عنهما من إنتاج فكري وأيديولوجي، والثمانينيات والتسعينيات بوصفهما سنوات الرّدة في وعي الناس الفكري وأخلاقهم الاجتماعية، وهو ما نحصده الآن في العقد الأوّل من الألفين وما سيأتي بعده، وعموما كان الحدث الأبرز في حياتي دخولي إلى معهد الفنون الجميلة في البصرة عام 1983 وتخرّجي فيه عام 1990 بعد أن اضطررت إلى الرسوب المتعمّد لسنتين متتاليتين حتى لا أساق إلى الحرب العبثية التي كانت مشتعلة بيننا وبين إيران والتي أكلت معظم شبابنا على مدى ثمان سنوات، وفي المعهد تتلمذت على يد أساتذة أجلاء كان في مقدّمتهم عبد الكريم خزعل وحيدر الشلال ومنتهى جاسم وقاسم علوان ونجم عبد شهيب وآخرون تعلّمت على أيديهم أبجديات الفنّ المسرحي التي دفعتني إلى ممارسة الكتابة بشكل مبكّر في الصحف المحلية آنذاك متابعاً بشكل نقدي للعروض المسرحية التي كانت تقدّم في البصرة والناصرية وبغداد على حدٍّ سواء، فضلاً عن عملي كممثّل في أغلب الأعمال المسرحية التي قدّمها المعهد خلال تلك السنوات، وإخراجي لعملين مسرحيين هما : مسرحية ( الذي لا يأتي ) للكاتب السوري رياض عصمت عام 1988 ، ومسرحية ( أغنية التم ) للكاتب الروسي أنطوان تشيخوف عام 1990 وكانت أطروحة تخرّجي في المعهد، ولأنني كنت الأول على دفعتي فقد تمّ قبولي في كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد لإكمال دراسة البكالوريوس بدءً من عام 1991 وحتى تخرّجي في الكلية عام 1994 ، وخلال وجودي في الكلية عملت ممثلاً وتقنياً في بعض الأعمال المسرحية أبرزها مسرحية ( كارثة ) لصموئيل بيكيت وإخراج قاسم محمد زيدان ومحمد جاسم ، ومسرحية ( خبر بلا كلمات ) للمخرج أكرم كامل ، فضلاً عن إخراجي لمسرحية ( الراكبون إلى البحر ) للكاتب الأيرلندي جون ميلنجتون سنج عام 1994 كأطروحة تخرج في الكلية بإشراف الدكتور صلاح القصب ، ثم قمت بتأسيس فرقتي المسرحية ( جماعة الناصرية للتمثيل ) عام 1992 في مدينتي الناصرية لتكون الفضاء المسرحي الواسع الذي أمارس من خلاله عملي المسرحي بشكل مستمر حيث أخرجت لها إلى الآن حوالي عشرين عملاً مسرحياً تشكل مجموع تجربتي الإخراجية .


س2.. كما هو معلوم أنّ الناصرية تحت خطّ الصفر من حيث البنية التحتية الثقافية وتفتقد إلى المسارح والقاعات الفنية ، كيف تنفّذون أعمالكم المسرحية من حيث القراءة والبروفات والعرض المسرحي ؟

 * الحقيقة أنّنا نعاني كثيراً من الواقع المسرحي في المدينة بسبب عدم وجود بنية تحتية صحيحة للحياة المسرحية ، فعلى الرغم من وجود قاعات عديدة في المدينة إلاّ أنّها موصدة بوجه المسرحيين بسبب البيروقراطية الإدارية كونها قاعات تابعة للدولة ، والأهمّ من ذلك أنها قاعات خربة غير مؤهّلة للفعل المسرحي الأمر الذي يضطرنا إلى تكييف القاعة بجهودنا الذاتية من أجل أن تكون صالحة للعرض المسرحي من ناحية النظافة والكهربائيات التي تدخل بضمنها الإضاءة والصوت ، والستائر ، والتعتيم اللازم للإضاءة ، فضلاً عن التبريد في فصل الصيف حيث اضطررت في أحد العروض إلى نقل أجهزة تبريد منزلي إلى أحد تلك القاعات ، ناهيك عن المستلزمات الأخرى الواجب توفرها في مثل هكذا ظروف ، وأصعب شيء نواجهه الآن هو الحصول على مكان للبدء بقراءة النص وعمل البروفات ، الأمر الذي يضطرنا إلى اتخاذ المقاهي والحدائق وشاطئ النهر مكاناً لتلك البروفات ، أليس ذلك مهزلة في بلد النفط ؟

س3.. هل لكم تجربة في مسرح الطفل ، وما هو آخر منجز لك في هذا الميدان ؟

 * بالطبع يشغل مسرح الطفل أهمية كبيرة من اهتمامنا المسرحي إذ قمنا عام 2005 بتأسيس ( مسرح الدمى ) الذي يشكّل وجهاً مهماً من وجوه مسرح الطفل حيث قدّمنا فيه ثلاث مسرحيات قصيرة هي : ( القطيطة نسيت المواء ) للكاتبة التشيكية إنّا خلوبوكوفا ، و( العصفور والوردة ) للكاتب عمار نعمة جابر ، و ( الفأرة الصغيرة والأسد ) من تأليفي ، والمسرحيات الثلاث كانت من إخراجي حيث اعتمدت فيها على تقنية الدمى القفازية ، كما أنجزت على مستوى التأليف عدداً من النصوص المسرحية الخاصّة بمسرح الطفل من المؤمّل طباعتها في كتاب لتكون في متناول المخرجين المهتمين بهذا النوع المسرحي ، فضلاً عن توجيهي لبعض أعضاء الجماعة من أجل الاهتمام بهذا المسرح حيث أنجز بعضهم نصوصاً في هذا الميدان وفي مقدّمتهم الكاتب عمار سيف الذي قُدِّمت له نصوص في محافظات أخرى ومن المؤمّل أن يُقدَّم له نصّان آخران في سورية والجزائر ، وكلّ ما أنجزناه يبقى دون مستوى الطموح لأنّ مسرح الطفل يحتاج إلى إمكانيات تقنية كبيرة وحدها تستطيع تحقيق التأثير الجمالي المطلوب في المتلقّي وهذا ما لا يتوفّر الآن في مسرح مدينتنا بسبب الإهمال من المسرحيين أنفسهم ، ومن الحكومة المحلية ثانياً ممثلة بدوائرها المعنية بالمسرح وفي مقدّمتها مديرية الشباب والرياضة ومديرية التربية .



س4.. في أواخر عام 2008 كانت لك جهود حثيثة في ندائكم ( نداء جماعة الناصرية للتمثيل ) يتمحور حول تأسيس معهد للفنون الجميلة في الناصرية، فهل هنالك ضوء في النفق ، وهل فعّلتم هذا النداء في المتابعة لدى الجهات المختصّة، وما هي الأسباب التي أدّت للحيلولة دون الأخذ بهذا المشروع خاصّة والناصرية مدينة حاضنة للأدب والفن ؟

 * تعود مطالباتنا بضرورة أن يكون للناصرية معهدها الخاصّ بالفنون الجميلة إلى وقت أبعد من هذا التاريخ الذي ذكرته ، ولكن في السابق – أي قبل عام 2003 – لم يكن يُسمح لنا بإطلاق صوتنا عالياً فقد كانت سياسة التهميش لمدينتنا هي السائدة في عرف النظام الدكتاتوري السابق على الرغم من أنّها منجم الإبداع الفنّي والثقافي للعراق ككلّ ، ولذلك كانت مطالباتنا السابقة حذرة وخائفة حتى تحولت بمرور الوقت إلى مجرّد أحلام ، ولكن بعد التغيير وجدنا أن زمن تكميم الأفواه قد ولّى ، وأنّ حاجز الخوف قد تداعى مع تداعي ذلك النظام البشع الذي لم يكن الفنّ بالنسبة إليه إلاّ ماكياجاً يجمِّل به وجهه السادي القبيح ، فأطلقنا صوتنا من جديد عبر مطالبات رسمية وشعبية من أجل أن تستردّ الناصرية حقّها المسلوب كونها أولى من كلّ المدن العراقية الأخرى بمعهد الفنون الجميلة ، وقمنا بخطوات عملية من أجل تحقيق ذلك الحلم ، وكالعادة إصطدمنا بالعقول الظلامية التي لا تريد الخير لهذه المدينة بدعوى التدين والحلال والحرام الذي توظّفه لمصالحها الشخصية ، لكن ضغوطنا كانت أقوى من تلك العقول المتحجّرة ، وفعلاً تمخّض ذلك النضال عن فتح هذا المعهد للعام الدراسي الحالي 2013/2014 ، وللأمانة التاريخية فإنّ هناك مؤسّسات وأشخاص كان لهم أيضاً دور كبير في هذا الإنجاز وفي مقدّمتهم نقابة الفنانين وقسم النشاط المدرسي وبعض مدراء أقسام مديرية التربية وعضو البرلمان العراقي الأستاذ شيروان الوائلي ، ونأمل أن تتمّ إدارة المعهد على أسس صحيحة من أجل أن يؤتي ثماره خلال السنوات القادمة .

س5.. كيف ترى الواقع المسرحي الآن في ظل المتغيرات الأيديولوجية والإسلاموية ؟ 

* الواقع المسرحي لا يبشر بخير بسبب الفوضى التي تعمّ البلد ، فقد سُرقت منا الأحلام التي كنّا نظنّ أنّ التغيير سيعمل على تحقيقها ، ولم يكتفِ أولئك السرّاق – وهم سياسيون ورجال دين وإرهابيون ومخابرات دولية ودول إقليميةبسرقة أحلامنا فقط ، بل سرقوا ثروات البلد وأعمارنا بالوعود الكاذبة والسيارات المفخّخة والعبوات والأحزمة الناسفة، حتى بات الواحد منّا لا يأمن على حياته أو حياة عائلته حتى في بيته ، فكيف يمكن أن يكون حال المسرح إذن؟ نعم هناك مسرحيون الآن يعملون بروح فدائية ونحن جزء منهم من أجل أن لا يموت المسرح نهائياً في بلادنا ، ولكن السؤال الأهمّ كم يستطيع هؤلاء المقاومة والمطاولة بوجه هذا الخراب الكبير الذي يقود البلد إلى الحضيض ، ما يجري في بلادنا ليس صراعاً أيدلوجياً حقيقياً ، بل هو صراع مصالح نفعية يلبس رداء الأيديولوجيا تارة ، ورداء الدين تارة أخرى ، ونحن الضحايا في كلا الحالتين .

س6.. في سبعينيات القرن الماضي ومطلع الثمانينيات كانت هناك نهضة واضحة للمسرح برز فيها المسرح العمالي والمسرح الفلاحي والمسرح العسكري ، فضلاً عن المسرح الجامعي والمدرسي ومسرح الطفل . ما هي قراءتك لهذه النهضة ؟ ولماذا الآن اختفت من الساحة الفنية ونحن في سنة 2013 ؟
 
* أعتقد أن هناك أسباباً مهمة لا تتوفّر الآن هي السبب الرئيس في تلك النهضة المسرحية أهمّها الاستقرار السياسي النسبي الذي رافقه ازدهار اقتصادي واضح دفع بالمجتمع العراقي إلى تبني قيم المجتمع المدني التي يشكّل المسرح جزءًا كبيراً منها ، فضلاً عن وجود نوع من التخطيط المسرحي الذي راعى أهمية أن ينفتح المسرح على قطاعات واسعة من المجتمع لذلك وجدنا هذا التنوّع الواضح في الأنواع المسرحية ، وفي تصوري أنّ الفنانين المسرحيين يوم ذاك كانوا أكثر جدّية من فناني اليوم بسبب شيوع فكرة ( الالتزام في الفنّ ) التي روَّجت لها التيارات اليسارية والوجودية ، فكان أن انعكست تلك على طبيعة تلك الأعمال ، فضلاً عن سلوك الفنانين أنفسهم ، كما كان للفرق الأهلية المستقلّة دورها الكبير في خلق مسرح معارض للمسرح الرسمي المدعوم من الدولة ، لكن مع منتصف الثمانينيات استطاع المسرح الرسمي ممثلاً بالفرقة القومية للتمثيل احتواء جميع تلك الجهود المسرحية المعارضة وإحلال قيم بديلة تقوم على مبادئ الربح والخسارة في الفنّ بسبب شيوع فكرة شباك التذاكر التي دعمتها الدولة بقوّة من أجل تفريغ المسرح العراقي من التزامه وجديته الفنية والفكرية والجمالية ، والحال الآن بعد التغيير الذي حصل عام 2003 يتكرر ولكن بشكل آخر، فانعدام الاستقرار السياسي ، وشيوع التطرّف الديني ، وتضاؤل قيم المجتمع المدني ، وهجنة الوضع الاقتصادي ، وانتشار الفوضى الإدارية وغياب التخطيط ، كلّها عوامل ساعدت على أن يفقد المسرح العراقي بريقه القديم .

س7.. في مدينة كربلاء المقدّسة عقدت ندوات ومؤتمرات وكنتَ أحد المدعوّين فيها لمناقشة المسرح الحسيني ، وقد تجسّدت الفكرة ومُثلت في مسرحيات عديدة خلال السنوات الماضية ، ما هو تعليقكم على فكرة المسرح الحسيني ؟

 * لا يوجد شيء اسمه المسرح الحسيني ، لأنّنا عندما نستخدم هذا المصطلح لوصف بعض العروض المسرحية التي وظّفت ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في المسرح فإننا نخطئ التوصيف بسبب أنّ تلك العروض لا تختلف من الناحية الجمالية والشكلية عن العروض المسرحية التقليدية الأرسطية إلاّ في المضمون الذي يوظف التاريخ الإسلامي في مادته الأدبية عبر معالجات فكرية متنوّعة ، ما يعني أننا لا نأتي بجديد عن المسرح السائد ، ولذلك قلت مرارا في تلك المؤتمرات والندوات عبر البحوث التي قدّمتها أنّه لا ينبغي أن يكون هاجسنا خلق ( مسرح حسيني ) لإقناع الجهة الدينية الراعية لهذه الفكرة بأهمية المسرح وضرورته بالنسبة للقضية الحسينية ، بل علينا السعي لابتكارات فنية وجمالية وأدبية لقراءة تلك الثورة المباركة قراءة مؤثرة في الجمهور سواء المتّفق أو المخالف ، أي تسويق القيم والمبادئ الإنسانية لتلك الشخصية النبيلة عبر المسرح بوصفه منبراً للفعل النبيل والتوعية الاجتماعية ، وفي الجانب الآخر هناك (التشابيه) أو ( التعازي ) التي تكون جزءً من الشعائر الدينية الحسينية ، وهي طقس ديني يتوفّر على عناصر فنية وجمالية وفلسفية تصلح لأن تكون قاعدة لنمط مسرحي أسميناه ( مسرح التعزية ) وقد كانت لنا تجارب عديدة في هذا النمط سواء على المستوى النظري أو على المستوى التطبيقي مثل إخراجي لمسرحيات ( ليلة جرح الأمير ) و ( الماء يا قمر الشريعة ) و ( قبور بلا شواهد ) وهي كّلها حاولت الإفادة من ذلك الطقس الديني لتقديم تجربة مغايرة حتى على مستوى المكان حينما اتخذت من مسجد قديم فضاءً مسرحياً لعرض اثنين منها لإعادة صياغة العلاقة بين العرض المسرحي والجمهور ، لذلك أرى أنّ جهدنا المسرحي ينبغي أن ينصبّ على الإفادة من هذا الطقس لاستنباط شكل مسرحي جديد يمكنه أن يلبي مستويات البحث عن خصوصية أو هوية في المسرح العراقي والعربي.

س8.. في دراسة لك بعنوان ( الدراماتورج في المسرح ) تحدّثت فيها عن ثنائية المؤلف المخرج ، فهل أنت مع هذه الثنائية، أم مع المخرج بشكله التخصّصي ، وأيهما أكثر عطاء في المسرح ؟

 * الدراماتورج ( أو الخبير الدرامي ) وظيفة جديدة بدأت تظهر في مسرحنا العراقي خلال السنوات القليلة الماضية ، وعلى الرغم من إقرار هذه الوظيفة بشكل نهائي منذ وقت بعيد في المسرح الغربي ، إلاّ أنّه مازال مفهوماً غائما بالنسبة لنا ، وبرأيي أنّ هناك نوعين من الدراماتورج في المسرح ، الأوّل هو الخبير الدرامي بشكله المنفصل عن المخرج المسرحي وهو الذي يعمل على تكييف النصّ الدرامي بما يتوافق وإمكانات الفرقة المسرحية الاقتصادية والتقنية ، فضلاً عن الرؤية الإخراجية للمخرج ، بمعنى أنّه يعيد صياغة نص المؤلف في هيئة جديدة تراعي تلك الإمكانات ، والثاني هو المؤلف / المخرج الذي يقوم بتأليف النصّ الأدبي وإخراجه على المسرح مع مراعاة متطلّبات الخشبة وخصوصية ممثليه ، مرّة عبر الاكتفاء بالنصّ الأدبي الذي ألّفه كما هو ، وأخرى عبر إخضاع النصّ للتغيير المستمرّ بحسب حيثيات البروفة المسرحية، لكنّني وفي حدود تجربتي المسرحية المتواضعة اعتمدت شكلاً آخر من الدراماتورج وهو المخرج الذي يعمل على تكييف النصّ المسرحي على ضوء رؤيته الإخراجية سواء كان هذا النصّ من تأليفي أو من تأليف مؤلفين آخرين ، بمعنى أنّ النصّ تحوّل لديَّ إلى خامة من خامات العرض المتعدّدة وليس عنصراً مهيمناً في تجربتي الدراماتورجية ، لأنني أرى أنّ هذا الشكل هو الأقدر على صياغة عرض مسرحي متكامل تتجانس فيه العناصر السمعية والبصرية مولدة خطاباً مؤثراً في المتلقي .

س10.. ما هو تقييمكم للدور الأكاديمي وتأثيره في أداء المسرحيين من حيث التطوير النخبوي ؟

 * المسرح بدون الأكاديميات يبقى ممارسة فطرية غير خاضعة للتطوّر وهذا ما طغى على تاريخ مسرحنا العراقي حتى تأسيس معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1940 ومن بعده أكاديمية الفنون الجميلة التي حوّلت تلك الممارسة الفطرية إلى ممارسة علمية لأنّ المعهد والأكاديمية عملا على إعداد الكوادر المسرحية عبر الإفادة من الخبرات الغربية في هذا الميدان عن طريق البعثات الدراسية التي نقلت لنا العلوم المتقدّمة في هذا الميدان من أمريكا وبريطانيا وروسيا وفرنسا وإيطاليا وبلغاريا ورومانيا وبولندة وأسبانيا وغيرها من البلاد الغربية الأخرى ، ولذلك نجد أنّ النهضة المسرحية التي شهدها المسرح العراقي منذ الستينيات وحتى الآن كانت بتأثيرات تلك البعثات ، وقد عملت تلك الكوادر على إعداد كوادر أخرى في عموم المحافظات لتتأثّر هي أيضاً بالجانب الأكاديمي الذي أثرى الحياة المسرحية بمستوى عالٍ من الصياغة الفنية للأعمال ، لكنّنا نشهد الآن – وللأسف – تراجعاً في تأثير الأكاديميات في الواقع المسرحي فأغلب معاهد وكليات الفنون تخرّج أفواجاً من المسرحيين الأميين الذين لم يعتلوا خشبة المسرح لمرّة واحدة في حياتهم ، أو لم يقرؤوا كتاباً واحداً في المسرح ، وهذه كارثة ستؤدّي بالمسرح العراقي إلى الضمور ومن ثمّ التلاشي ، والحلّ الوحيد هو في إعادة بناء هذه الأكاديميات من جديد وفي مقدمة ذلك التشديد في القبول ، ومنع الطارئين من الدخول لها والإبقاء على ذوي المواهب الحقيقية فيها عندها فقط يمكن لمسرحنا العراقي أن يتعافى .

س11.. هنالك من اختصّ في الإخراج المسرحي وانفرد باتّجاه معيّن أمثال الفنان المخرج صلاح القصب في مسرح الصورة، والفنان المخرج قاسم محمد في إحياء التراث الأدبي العربي وتوظيفه في الأعمال المسرحية ، ماذا تقول عن هذه التجربة ؟

 * واحدة من الالتماعات المهمّة في تجارب المسرح العراقي هي تجربتي القصب ومحمد ، إذ أنهما – إلى جانب مخرجين آخرين – دفعا بالتجربة المسرحية العراقية إلى الأمام ، الأوّل عبر تأكيده على كونية الخطاب المسرحي والثاني عبر تأكيده على محليته ، وعلى الرغم من أنهما يمثلان مدرستين مختلفتين في الإخراج المسرحي بفعل تأثير مصادر كلّ واحد منهما ، إلاّ أنهما في النهاية يصبان في نهر التجريب المسرحي الذي نقل المشهد المسرحي من هيمنة الحوار إلى هيمنة الصورة ، ومن هيمنة الإيديولوجيا إلى هيمنة الجمال ، الأمر الذي جعلنا بإزاء تجربة متوازية الأولى انشغلت بالتراث الإنساني ككلّ في مشتركاته السوسيوثقافية ، والثانية انشغلت بالتراث المحلي العراقي والعربي ضمن محيطه العربي ، لذلك نجد لكلا التجربتين أنصاراً ومريدين في مختلف المحافظات ، وكنت أنا واحداً من مريدي تجربة القصب بعد أن تتلمذت عل يديه، لشعوري أنّ المنطلقات النظرية والجمالية التي تنطلق منها تجربته يمكن أن تؤسّس وعيا مغايراً عن السائد والمألوف ، وهكذا كانت تجربتنا في جماعة الناصرية للتمثيل .

س12..  أعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا . هل تعتقد أنّ هذه المقولة مازالت حاضرة في التجربة المسرحية ، أي أنه مازال للمسرح دورا ثقافيا في المجتمع ؟

 * الدور الثقافي للمسرح في المجتمع موجود على الدوام وإن بنسب متفاوتة بحسب طبيعة المجتمعات التي تنظر إلى المسرح من منظورات مختلفة ، فهناك مجتمعات تعتبر المسرح حاجة اجتماعية لا غنى عنها في حياتها اليومية ، وهناك مجتمعات أخرى ترى في المسرح ديكوراً فنياً أو نوعاً من ( البطر ) الحياتي ، بينما نجد مجتمعات أخرى تنظر بعين الريبة للمسرح والمسرحيين اجتماعيا وأخلاقياً ، وأعتقد أنّ المسرح لدينا على الرغم من عمره الذي تجاوز أكثر من مئة عام مازال حاجة كمالية بالنسبة للمجتمع العراقي ، خاصّة وأنّ هذا المجتمع لم يهنأ بسنوات من الاستقرار السياسي والاجتماعي ، لذلك أرى أنّ التعويل على الدور الاجتماعي للمسرح بات أمراً غير ممكن في تجربتنا المسرحية ، وعلينا استبدال ذلك الدور بالدور الجمالي بمعنى محاولة الارتقاء بالذائقة الفنية والجمالية للجمهور دون الانشغال بالتأثيرات الاجتماعية التي دعت لها المسارح التحريضية والتنويرية مثل المسرح السياسي والمسرح الملحمي وغيرها من المسارح ذات الطابع الأيديولوجي المحض ، فالمسرح تجربة جمالية قبل كلّ شيء .

س13.. لماذا يعتبر شكسبير نقطة ارتكاز في عالم المسرح ؟

 * شكسبير له عالمه الخاصّ الذي ينفعل به الجميع لأنه يتحدّث في مسرحياته عن المشاعر الإنسانية العميقة ، وليس السطحية ، فضلاً عن أنّ موضوعاته عابرة لحدود الزمان والمكان ، فهي تمتص جميع مشاكل العصر الذي عاشه شكسبير ، والعصور التي تلته ، وطبعاً العصور القادمة أيضاً ، لذلك فإن الاختبار الحقيقي لأيّ مسرحي هو مدى قدرته على التعامل مع شكسبير وتوظيفه لمتطلّبات العصر ، ناهيك عن ضرورة تقديمه بصورته المتحفية أيضاً ، إذ أنني أرى أنّ الجمهور المعاصر بحاجة إلى الصورتين من أجل إيقاظ حواسه ووعيه ، لذلك فإنّ حلم تقديم شكسبير خاصّة في مسرحياته الأهمّ ( هملت ، مكبث ، لير ) تشكّل واحدة من أحلامي المسرحية المؤجّلة التي أسعى على الدوام إلى تحقيقها ، ولكنللأسف الشديد – مازالت الناصرية غير مؤهّلة من ناحية البُنى التحتية المسرحية لتقديم مثل هكذا أعمال عظيمة ، وفي مقدّمة تلك البُنى عدم وجود ممثلين يعون أدوات حرفتهم المسرحية .

س14.. بماذا تصف جيل الشباب الحالي من المسرحيين ؟

 * أرى أنّ الجيل المسرحي الحالي من الشباب المسرحيين – خاصّة في العشر سنوات الماضية على الأقلّ – يختلف كلياً عن بقية الأجيال التي أنجبها المسرح العراقي ، إذ أنّه جيل متسرّع ، يريد الوصول بأسرع وقت ممكن ، وبأقلّ الجهود ، طبعاً هناك استثناءات ، ولكن هذه هي السمة الغالبة عليه ، فضلاً عن أنّ ثقافته مختلفة كلياً عن الأجيال التي سبقته سواء ثقافته العامّة أو ثقافته التخصصية ، لأنّه يعتمد على الثقافة الشفاهية عبر حاسّة السمع دون اللّجوء إلى الثقافة البصرية وفي مقدّمتها القراءة ، أغلبهم لا يقرؤون ومنطلقاتهم في النظر إلى المسرح تختلف هي الأخرى ، ومع أنني مع أن يكون هذا الجيل متمرّداً وغاضباً ، ولكنني لست مع الفوضى التي يتعامل بها مع الأشياء ، هو جيل مقلّد ، يكرّر نفسه ، وفي معظم التجارب التي شاهدناها في العاصمة أو في بقية المحافظات نجد أغلبهم يحاكي تجارب معاصريه ، ما يعني أنه مازال جيلاً يعيش المحنة ، ينفعل بها آنياً دون أن يكون له ثمة موقف واضح منها ، فهو على سبيل المثال يوجه سهام نقده للمقدّس الديني والسياسي والاجتماعي ، لكنه لا يقترح بديلاً ، وعموماً فإنّ الزمن سيكون كفيلاً بإبراز إن كان هذا الجيل سيكون على مستوى التحدّي أم لا .

ختاما تقبل فائق شكري وتقديري لسعة صدركم في إجابتي على كافة أسئلتي وفّقكم الله خيرا لخدمة العراق.

~حاوره الأستاذ علي الغزي  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

free counters